-((((( HICMIS )))))-

مالـك بـن أنـس رضى الله عنه Salamo10
مرحبا بك فى منتدى طلاب المعهد العالى للحاسبات
اذا كنت مسجل معنا فى المنتدى اضغط على دخول
وان كنت غير مسجل يسعدنا تسجيلك معنا بالضغط على التسجيل


مع تحيات
إدارة المنتدى


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

-((((( HICMIS )))))-

مالـك بـن أنـس رضى الله عنه Salamo10
مرحبا بك فى منتدى طلاب المعهد العالى للحاسبات
اذا كنت مسجل معنا فى المنتدى اضغط على دخول
وان كنت غير مسجل يسعدنا تسجيلك معنا بالضغط على التسجيل


مع تحيات
إدارة المنتدى

-((((( HICMIS )))))-

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى طلاب وخريجى المعهد العالى للحاسبات ونظم المعلومات الإدارية - التجمع الأول


2 مشترك

    مالـك بـن أنـس رضى الله عنه

    Romio
    Romio
    عضو ماسي
    عضو ماسي


    عدد المساهمات : 1312
    رقم العضوية رقم العضوية : 845
    الفرقة الدراسية : الفرقة الثالثة كلية تجارة جامعه قناة السويس
    العمل/الترفيه : الثفاقه & المعلومات العامه
    و - الالفية : 1000

    مالـك بـن أنـس رضى الله عنه Empty مالـك بـن أنـس رضى الله عنه

    مُساهمة من طرف Romio الجمعة 04 يونيو 2010, 7:32 pm

    مالـك بـن أنـس رضى الله عنه Fjfgjfgjj

    عاشق المدينة.. وإمام الحرمين

    اجتمعت الأسرة الصغيرة ذات مساء، كما تعودت بعد كل صلاة عشاء، تتذاكر أمور
    الحياة والدين، فيحكي الأب عما صادفه وجه النهار في متجره الصغير الذي
    يبيع فيه الحرير، وعما عرض له خلال البيع والشراء من واقعات، ويشرح
    لأولاده ولأم البنين ما حفظه عن أبيه عن جده الصحابي من أحاديث وآثار،
    وتأخذ الأسرة باستيعاب ما يقول.


    وفي تلك الليلة ألقى الأب سؤالا في الدين على أفراد أسرته فأحسنوا الإجابة إلا ولده الأصغر مالكا..


    كان في نحو العاشرة، قد حفظ القرآن وبعض الأحاديث، وامتلأت آفاقه بنور
    الكلمات، ولكن عقله لم يكن قد استطاع أن يعي ما فيها.. وكان مالك لنضارة
    سنه يحب أن يرتع ويلعب.


    وغضب أنس على ولده الصغير مالك لأنه أخطأ في الإجابة على سؤال في الدين، ونهره لأنه مشغول باللعب مع الحمام، وهذا يلهيه عن العلم!.


    وبكى الصبي كما لم يبك من قبل، وفزع الى أحضان أمه يسألها الحماية والنصيحة، ويستعينها على ما هو فيه.


    ونشطت أمه من غدها بعد صلاة الفجر فأدخلته الحمام، وطيبته وألبسته أحسن
    ثياب وعممته، ودفعت به الى مسجد رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ليتلقى
    العلم، واختارت له حلقة «ربيعة» من بين سبعين حلقة تلتف حول أعمدة المسجد
    النبوي يقوم عليها سبعون من أساطين العلم.. «وربيعة» هو حينذاك أكبر فقيه
    يجتهد رأيه ليستنبط الحكم عندما لا يجده في نص قطعي الدلالة.. وهو أكثر
    العلماء دعوة الى الاجتهاد والأخذ بالرأي ومن أجل ذلك سمي ربيعة الرأي.


    ويتعود الصبي بعد ذلك طيلة حياته أن يستحم ويتطيب ويلبس خير ثيابه كلما جلس يتعلم أو ليعلم.


    ولكم عجب رواد المسجد لذلك الصبي الأشقر يفوح منه الطيب في عمامة الشيوخ
    وهو يمسك بلوح يكتب فيه كل ما يقوله «ربيعة» ويشب بعينيه وأذنيه مسائل
    صعبة من اجتهاد ربيعة الذي لم يكن يروي أحاديث يمكن أن تحفظ، بل يلقي
    بفتاوي واستنباطات يحتاج فهمها الى عقل ناضج، ورأس كبير جدير بالعمامة
    التي يحملها.


    ومنذ ذلك اليوم من أوائل القرن الثاني للهجرة أخذ مالك نفسه بالمشقة في طلب العلم..


    نصحته أمه أن يذهب الى المسجد النبوي، فيجلس الى «ربيعة» ليأخذ من علمه
    قبل أدبه.. وكان ربيعة مشهورة في المدينة بفقه الرأي.. ولكن الصبي لم يعكف
    على ربيعة وحده، فقد بهره ما في الحلقات الأخرى من فنون المعارف.. فتنقل
    بين حلقات الفقهاء.. يحفظ القرآن ويصغي الى تفسيره في هذه الحلقة أ» تلك..
    ثم ينتقل الى حلقات أخرى فيحفظ منها الأحاديث النبوية ويستوعب تأويل
    الأحاديث. ويتلقى فتاوى الصحابة من شيخ، والرد على ما يثار من أفكار وآراء
    في العقائد من شيخ آخر.. ثم يعود الى ربيعة أو غيره من الشيوخ الذين يجد
    لديهم علما أغزر.


    كان يحمل معه حشية تقيه برد المسجد إذا كان الشتاء، ما كان يكتفي بما
    يتعلم في المسجد بل يلتمس الشيوخ في دورهم يستزيد من علمهم ويصبر على ما
    في بعضهم من حدة.. ولقد ينتظر أحد الشيوخ في الطريق ساعات ما يجد فيها
    شجرة تقيه الهاجرة حتى إذا رأى الشيخ يعود الى داره انتظر لحظة ثم قرع
    عليه بابه. ولقد يملأ أكمامه بالتمر يهديه لجارية أحد الفقهاء لتمكنه من
    الخلوص الى العلم المنشود.


    وكان مالك إذا جلس ليستمع للأحاديث وهو صبي يحمل معه خيطا فيعقد مع كل
    حديث عقدة.. حتى إذا كان آخر النهار، أعاد على نفسه الأحاديث وعد العقد،
    فإن وجد نفسه قد نسي شيئا قرع باب شيخه الذي سمع منه الأحاديث فيحفظ منه
    ما نسي.


    انقطع مالك لطلب العلم، ومات عائله، وشب الفتى وأصبح عليه أن يعول نفسه
    وزوجته وابنته.. وكانت به تجارة بأربعمائة دينار ورثها عن أبيه، ولكنه كان
    مشغولا عنها بطلب العلم فكسدت تجارته، واضطر الى أن يبيع خشبا من سقف بيته
    ليعيش هو واسرته بثمنه، وكان الجوع يعضه ويعض زوجته وابنته فتصرخ الطفلة
    من الجوع طيلة ليلها. فدير أبوها الرحى ولا يسمع الجيران صراخها..


    ولما قد بلغ أوج شبابه، وجد نفسه عاجزا عن توفير ما يكفي أهل بيته إلا أن يضحي بطلب العلم..


    فانفجرت أول صرخات اجتهاده وناشد الحاكمين أن يمكنوا أهل العلم من التفرغ للعلم، وأن يجروا عليهم رواتب تكفل لهم الحياة الكريمة..


    غير أن أحدا لم يلتفت اليه، فقد كانت الدولة الأموية التي عاش شبابه في
    ظلها مشغولة بتثبيت أركانها، وبتألف قلوب شيوخ أهل العلم دون شبابهم.


    والتقى به في تلك الفترة طالب علم شاب من أهل مصر هو الليث ابن سعد.. كان
    قد ألف أن يحج ما بين عام وعام ويزور المدينة ويجلس الى حلقات الفقهاء في
    الحرم النبوي، وقد أعجب كل واحد منهما بذكاء صاحبه ونشأت بينهما علاقة
    احترام متبادل، وألقى الله في قلبيهما مودة ورحمة... ولاحظ الليث بن سعد
    أن صديقه ـ على الرغم من أناقة ثيابه ونظافتها، وعلى الرغم من رائحة المسك
    والطيب التي تسبقه ـ فقير جهد الفقر، وإن كان ليداري فقره تعففا وإباء!..


    وكان الليث واسع الغنى، فمنح صاحبه مالا كثيرا وأقسم عليه أن يقبله.


    وعاد الليث الى وطنه مصر وظل بها يصل صاحبه مالك بن أنس بالهدايا بالمال،
    حتى أصلح الله حال مالك ووجد من الخلفاء من يستجيب الى ندائه المتصل أن
    تجري الرواتب على أهل العلم.


    ولقد سئل مالك عن عدم السعي في طلب الرزق والانقطاع الى العلم فقال:


    «لا يبلغ أحد ما يريد من هذا العلم حتى يضربه الفقر ويؤثره على كل حال. ومن طلب هذا الأمر صبر عليه.».


    وفي الحق أنه ظل طالب علم بعد أن أصبح فقيها كبيرا يسعى إليه الناس من كل
    أقطار الأرض وإلى أن توفي سنة 179هـ وفي نحو السادسة والثمانين.


    ولقد ظل يعلم الناس، عندما جلس للعلم، أن يتحرجوا في الفتيا وفي إبداء
    آرائهم، فإذا كان الفقيه غير متثبت مما يقول فعليه في شجاعة أن يعترف بأنه
    لا يدري. ذلك أن الفتيا لون من البلاء لأهل العلم.


    فمن حسب نفسه قد أوتي العلم كله، فهو الجاهل حقا.. وشر الناس مكانا هو من
    يضع نفسه في مكان ليس أهلا له. وإن رأى الناس غير ذلك، فصاحب العلم أدرى
    بنفسه، وللرأي أمانته.


    ويحكى أن رجلا جاءه من أقصى الغرب موفدا من أحد فقهائها، ليسأل مالكا بن
    أنس عن مسألة.. فقال مالك: «أخبر الذي أرسلك ألا علم لي بها» فأخبره الرجل
    أنه جاء من مسيرة ستة أشهر ليسأل عن هذه المسألة. فقال مالك: «ما أدري وما
    ابتلينا بهذه المسألة في بلدنا وما سمعنا أحدا من أشياخنا تكلم فيها ولكن
    تعود غدا». وظل مالك يفكر في المسألة ويقرأ ما يمكن أن يتصل بها حتى إذا
    كان الغد جاءه الرجل فقال له مالك: «سألتني وما أدري ما هي» فقال الرجل
    «ليس على وجه الأرض أعلم منك وما جئتك من مسيرة أشهر إلا لذلك» فقال مالك:
    لا أحسن.


    بهذه الأناة والتحرج كان مالك يعالج الفتيا.


    ولقد عاش في المدينة المنورة طيلة حياته منذ ولد فيها نحو سنة 93هـ إلى أن ثوى تحت ثراها آخر الدهر. لم يبرحها قط إلا لحج أو عمرة..


    كان مالك يجد في المدينة ريح النبوة، ونفحات علوية من أنفاس الرسول حتى
    لكأنه يستنشق كل خفقة من أنسام مدينة الرسول جلال الأيام الباهرة الخالية:
    أيام النور والوحي والبطلات والفرقان.


    وما زال أهل المدينة يصغون كما كانوا يصغون في زمن رسول الله(صلى الله
    عليه وسلم) والصحابة الأوائل.. إنهم ليتوارثون سنته الشريفة في القول
    والعمل الآباء عن الأجداد.. آلافا عن آلاف حتى لقد صح عنده أن عمل أهل
    المدينة في عصره سنة مؤكدة، وأنه أولى بالإعتبار عند الفتيا والقضاء من
    أحاديث الآحاد..


    إنه لعاشق لمدينة رسول الله كما لم يعشق أحد مدينة من قبل ولا من بعد،
    يكاد يحمل لها من التعظيم ما يحمله للرسول (صلى الله عليه سلم) نفسه
    ولصحابته.


    حكى الشافعي أنه رأى على باب مالك هدايا من خيل خراسانية وبغال مصرية فقال
    الشافعي «ما أحسن هذه الأفراس والبغال، فقال مالك: هي لك فخذها جميعا. قال
    الشافعي: ألا تبقي لك منها دابة تركبها؟ قال مالك: إني لأستحي من الله
    تعالى أن أطأ تربة فيها رسول الله(صلى الله عليه وسلم) بحافر دابة».


    وفي الحق أن الحياة في المدينة كانت تناسب طبيعة مالك.. فقد ظلت المدينة
    بعيدا عن مضطرب التيارات الفكرية التي تصطخب في غيرها من مدائن المسلمين،
    فهي تعيش على السنن المتوارثة وتنأى بنفسها عن صراع العقائد، والجدل
    الفلسفي، وكلام الباحثين فيما وراء الغيب، وكل ما أنتجته ترجمة الفلسفات
    اليونانية والهندية والفارسية.. إنها حقا قرية مؤمنة ورب غفور.. مالك بن
    أنس رجل يحب الدعة وينشد السكينة، ويعكف على الدرس المطمئن. وهو يكره
    الجدل واللجاج والصخب والمناظرة، والكلام فيما لا ينفع الناس في حياة كل
    يوم.


    وكان يقول لمن سافر لمن يريدون الجدل في العقائد «لا تجادلوا.. وكلما جاء
    رجل أجدل من رجل تركنا ما نزل به جبريل، وغير الإنسان دينه».


    وكان مالك لا يحب أن يخوض غمرات الصراع السياسي.. وكانت المدينة بالقياس
    الى غيرها من بلاد المسلمين أكثرهن بعدا عن الثورات الفتن ومناهضة الحكام.


    ولقد بلغ نفوره من الجدل حدا جعله يصد عنه هارون الرشيد عندما لقيه في المدينة وطلب منه أن يناظر أبا يوسف صاحب أبي حنيفة.


    فقال مالك مغضبا: «إن العلم ليس كالتحريش بين البهائم والديكة».


    كان مالك يعتقد أن الجدال في الدين مفسدة للدين. وقال: «إن الجدل يبعد
    المتجادلين عن حقيقة الدين. إن المراء والجدل في الدين يذهبان بنور العلم
    من قلب المؤمن». وسئل: «رجل له علم بالسنة آلا يجادل عنها؟ فقال: يخبر
    بالسنة فإن قبل منه، وإلا سكت.»


    على أن الأفكار الجديدة اقتحمت على مالك وأهل المدينة حياتهم، وفرضت عليهم
    النظر فيها، فقد كان أصحابها يذهبن الى الحجاز للحج العمرة وللزيارة..
    وكان على مالك وأهل العلم في المدينة أن يناظروا فيما هو مطروح من أفكار
    وكلام. صفات الله. كيف يرى يوم القيامة، وخلق القرآن.. القدر والجبر
    والإختيار.


    وفرضت القضايا نفسها على فقهاء الحجاز.. أما مالك فقال: «الكلام في الدين
    أكرهه أنهي عنه ولم يزل أهل بلدنا (المدينة) يكرهونه وينهون عنه.. نحو
    الكلام في القدر والجبر ونحو ذلك ولا أحب الكلام إلا فيما تحته عمل. وما
    تحته عمل من الدين هو ما يفيد الناس في دنياهم وآخرتهم.. هو الفقه الذي
    يحكم أعمال الناس ويرد الفروع إلى الأصول». أما العقائد فقد نهى عن الجدل
    فيها وقد فسر مالك كل آية تحدث عن العداوة والبغضاء التي تقع بين عباد
    الله، بأنها الخصومات للجدل في الدين.


    وكان مالك يتساءل عن جدوى هذه الأفكار المبتدعة عن ذات الله وصفاته والجبر والاختيار؟ وخلق القرآن؟


    وما عساها تحقق من مصالح أن تدفع من مضار؟


    إنه لأولى بأهل العلم أن يشتغلوا بالحكمة... والحكمة التي جاءت كثيرا في القرآن هي ـ في رأي مالك ـ في دين الله والعمل به..


    ولقد أطلق مالك على أصحاب الكلام في العقائد والجبر ونحو ذلك من أصحاب بدع
    وقال عنهم إنه ما عرف أشد منهم سخفا ولا حمقا. فما جدوى الكلام فيما
    يتكلمون فيه؟ ماذا يحقق جدل كهذا من مصالح للعباد؟..


    إن المعتقدات يجب ألا تكون موضع كلام وعلى المسلم العاقل أن يسلم بها
    تسليما مطلقا، وأن يجعل همه إلى ما وراء ذلك مما ينفع الناس، ويمكث في
    الأرض يدفع عنهم الضرر والمفاسد، ويضبط لهم علاقاتهم وحياتهم ومعاشهم بما
    يستنبط به من أحكام الشريعة.


    فليسأل أهل العلم أنفسهم ما هو مقصد الشريعة الإسلامية وما هدفها؟......
    وليتقوا الله حق تقاته وهم يجيبون على هذه المسألة... أهو في الشريعة
    الإسلامية أن يتخاصم الناس ويتمارون حول القدر وخلق القرآن ورؤية الله
    والجبر الاختيار؟... وبهذا تنصرف العقول عن التفكير فيما ينفع الناس؟.. لا
    بل إن هدف الشريعة هو إقامة العمران في هذا العالم وتحقيق مصالح العباد في
    الدنيا والآخرة..


    من أجل ذلك فقد وجب على العلماء والفقهاء أن يبصروا الناس بما يحقق
    المصلحة ويقيم عمارة العالم، وبما يدرأ عنهم المفاسد وبما يضبط أمورهم على
    أركان ركينة من العدل والتقوى وصلاح الأمور.


    والأحكام التي تحقق مقاصد الشريعة منصوص عليها في القرآن والحديث، ويجب
    التعرف عليها بكل طرائق الفهم والتفسير، وتدبر ما وضح وما خفي من دلالات
    النصوص، فإن لم يسعف النص في موجهة ما يستجد من أحداث، فلينظر الفقيه في
    إجماع الصحابة ليستخلص الحكم، ففي إجماع الصحابة حجة كالسنة المؤكدة، فإن
    لم يجد الفقيه ما يشفي فلينظر في عمل أهل المدينة لأنهم تلقوه آلافا عن
    آلاف عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) وصحابته.. فإن كان ما استجد من قضايا
    لا حكم له عند أهل المدينة فليقس الفقيه ليطبق على القضية الجديدة حكم
    قضية سابقة وأورد به نصا إن توفرت العلة في القضيتين فإن تعارض هذا القياس
    مع مصلحة فليفضل الحكم الذي يحقق المصلحة استحسانا له.. فهو الأحسن. وإن
    لم يسعفه القياس فلينظر في عرف الناس وعاداتهم إن لم يكن مخالفا لما
    أحله.. فإن لم يجد فلينظر أين المصلحة.. وليجعل تحقيق المصلحة هو مناط
    الحكم.


    على أن مالك بن أنس لم يوفق الى هذه الأفكار ويدلي بها إلا بعد أن أصبح صاحب حلقة يدرس فيها..


    فها هو ذا مالك بن أنس تجري به السنون لتعدو الأربعين، وقد لزم الفقهاء
    نحو ثلاثين عاما، فتلقى عنهم الأحاديث النبوية، ومحصها وحقق إسنادها
    وتدارس معهم ما ينبغي لاستنباط الأحكام التي تواجه قضايا لم تعرض من قبل،
    وتعلم منهم الكتاب والحكمة، وتفكر في خلق السموات والأرض وأحوال العباد،
    وتدارس معاملات الناس، فتكون له رأي خاص، واستقل بنظره في كل أمور الدنيا
    والآخرة اتبع في بعضه السنة وأفكار السلف الصالح وعمل أهل المدينة
    وأعرافها وعاداتها.


    واستنبط الأحكام في بعضه الآخر بما يحقق المنفعة ويدرأ المفسدة.


    جاء الوقت الذي ينبغي له فيه أن يجلس إلى أحد أعمدة الحرم النبوي، ويجعل
    له حلقة خاصة يفتي فيها للناس ويعلمهم مما علم رشدا ويطرح عليهم ما تكون
    له من فقه وما استقر عنده من تأويل الأحاديث.


    وكان مالك قبل أن يجلس ليعلم الناس ويفتيهم، قد اختلف مع أستاذه ربيعة،
    فرأى مالك أن يستقل بحلقة، اقترحها عليه مشايعوه، غير أنه لم يفعلها من
    فوره بل طلب على سبعين من أصحاب الحلقات والشيوخ في المسجد النبوي، يعرض
    عليهم فقهه، ويستأذنهم في أن يجلس ليعلم الناس.


    وأجازه له أستاذته لم يختلف على إجازته أحد، اختار المكان الذي كان يجلس
    فيه عمر بن الخطاب ليبستروح منه جلال الأيام الرائعة الماضية، حيث كان كل
    الصحابة يعيشون في المدينة المنورة.. أمسكهم فيها عمر لا يبرحونها إلا
    بإذنه، لكي يعلموا الناس، ولكي يستشيرهم إذا احتاج الأمر، ولكيلا يفتن بهم
    أهل الأقطار الأخرى من حديثي العهد بالإسلام.


    وكان أنس بن مالك من قبل قد اختار سكنا له دار الصحابي عبد الله ابن
    مسعود، ليخفق منه القلب بنبضات عصر النبوة.. ذلك العصر المضيء بنور
    الإيمان والمعرفة والشوق المقدس العظيم الى صياغة عالم جديد من الطهارة
    والإخاء والنبل والعدالة والحرية والسكينة والنعيم..


    ولقد أثث مالك بن أنس داره بأجمل أثاث، وزينها بأحسن زينة وملأ أجواءها
    بعرف البخور المعطر. ذلك أن الحياة أقبلت عليه.. فنال راتبا كبيرا من بيت
    المال، ثم توالت عليه هدايا الخلفاء فقد اقتنع الخلفاء برأيه في أن أهل
    العلم يجب ألا يشغلوا عنه بالسعي في طلب الرزق، بل يجب أن يكون لهم نصيب
    من بيت المال، فينالوا منه رواتب منتظمة كبيرة، كما ينال قواد الجيش الذين
    يقومون على حماية الأمة وسد الثغور... فنشر العلم سد للثغور الروحية أمام
    الجهل، والتوفير على نشر العلم جهاد. وإذن فينبغي أن يكون لكل من العالم
    وطالب العلم جزاء المجاهدين كل بقدر ما يكفيه.


    إن العلماء ليحمون أرواح الناس وعقولهم من الضلال، فمن واجب ولي الأمر أن
    يوفر لهم من المال ما يكفل لهم الحياة الكريمة والمظهر اللائق الحسن كخير
    ما ينعم به الولاة والأمراء وحماة الثغور.


    على أنه كان يغدق من راتبه ومما يتلقى من هدايا على الفقراء من طلاب العلم
    يعطيهم ما تيسر من المال ويطعمهم أشهى طعام.. وكان حفيا بمأكله يختار
    الأطايب من كل صنف وكان مولعا بالفاكهة وخاصة الموز ويقول عنه: «لا شيء
    أكثر شبها بثمرات أهل الجنة منه، لا تطلبه في شتاء ولا صيف إلا وجدته..
    قال تعالى «أكلها دائم وظلها».


    وكان يحض تلاميذه على الاهتمام بحسن التغذية، فالغذاء الجيد يبني الجسم
    السليم.. والعقل السليم في الجسم السليم. ومكابد العلم تحتاج الى عقول
    نشطة تصونها أجساد قوية..


    وهكذا عاش منذ بدأ يجلس للإفتاء والتدريس: جسد قوي، وعقل نفاذ.. طعام حسن
    ومسكن جيد وثياب أنيقة بيضاء من خير ما تنتجه مصر وخراسان وعدن.


    وألف الناس كلما دخلوا المسجد النبوي بعد صالة الفجر أن رجلا مهيبا طويلا
    فارعا أشقر، أبيض الوجه، اوسع العينين، أشم الأنف، كبير اللحية، مفتول
    الشارب، يتخذ مكانه في هدوء، ويتحدث في صوب عميق صادق مستندا الى عمود من
    حوله حلقة من تلاميذه، كأن على رؤوسهم الطير. فإذا دخل غريب وألقى السلام
    لم يرد عليه أحدا إلا همسا.. فإذا سأل ما هذا؟ قيل له في صوت خفيف: إنه
    الإمام مالك بن أنس.


    فقد كان يفيض إذا تكلم، وينفذ بصدقه الى القلوب.. ولم يكن جهير الصوت،
    فكان تلاميذه يكادون يمسكون بأنفاسهم لكيلا يفوتهم حرف مما يقول.


    وكان قد خصص أياما لشرح الأحاديث النبوية الشريفة، وأياما للمسائل
    والفتيا.. فإذا سأله أحد في أمر لم يقع ولكنه متوقع، قال له: «سل عما يكون
    ودع ما لا يكون».


    ذلك أنه كان يرى أن كثرة الفروض مفسدة، وفيما يقع من الحوادث والقضايا الجديدة ما يكفي وما يغني عما هو متوقع..


    وعندما تقدمت به السن، عقد حلقات الدرس في بيته الواسعة ذات الأثاث الفاخر.


    ترك مجاملة الناس التي اشتهر بها، «ترك حضر الجنازات، فكأن يأتي أصحابها
    فيعزيهم، ثم ترك ذلك كله، فلم يكن يشهد الصلوات في المسجد ولا الجمعة،
    وكان إذا عوتب في ذلك قال: «ليس كل الناس يقدر أن يتكلم بعذره».


    ذلك أنه لم يفض لأحد بسر مرضه الذي أقعده عن المسجد والناس إلا فراش الموت
    وكان مرضه هو سلس البول. وعندما اشتد عليه المرض بعد أن جاوز الثمانين كره
    أن يخرج من داره.


    وكان له في بيته مجلسان في السنوات الثماني الأخيرة من حياته: فقال أحد
    تلاميذه: «إنه كان عندما انتقل درسه الى بيته، إذا أتاه الناس تخرج لهم
    الجارية فتقول لهم: يقول لكم الشيخ أتريدون الحديث أم المسائل؟ فإن قالوا
    المسائل خرج إليهم فأفتاهم، وإن قالوا الحديث قال لهم أجلسوا، ودخل مغسله
    فاغتسل وتطيب، ولبس ثيابا جددا، ولبس ساجه (وهي غطاء للرأس كالتاج) وتعمم،
    فتلقى له المنصة. فيخرج اليم وقد لبس وتطيب وعليه الخشوع، ويوضع عود فلا
    يزال يبخر حتى يفرغ من حديث رسول الله(صلى الله عليه وسلم)».


    ولكم كان حريصا على أن ينتقي الأحاديث.


    وعلى الرغم من كثرة الأحاديث التي حفظها، فلم يكن يحدث بهن جميعا.. لقد
    قيل له إن أحد الفقهاء يحدث بأحاديث ليست عندك، فقال مالك: لو أني حدثت
    بكل ما عندي لكأني إذن لأحمق ثم أضاف: لقد خرجت مني أحاديث لوددت لو أني
    ضربت بكل حديث منها سوطا ولم أحدث بها. من أجل ذلك قال عنه تلميذه
    الشافعي: «إذا جاء الحديث فمالك النجم الثاقب».


    وبهذا الحرج في الحديث كان يتحرج في الفتوى.. فقلا يقول هذا حلال وهذا حرام إلا إذا كان هناك نص قطعي الدلالة.


    وفيما عدا هذا يقول: أظن. ثم يعقب فتواه مستشهدا بالآية الكريمة: (إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين».


    ولقد عاتبه بعض تلاميذه على تحرجه في الفتوى، فاستعبر وبكى وهو يقول: إني
    أخاف أن يكون لي منها يوم وأي يوم. وقال يوما لأحد تلاميذه: ليس في العلم
    شيء خفيف. أما سمعت قول الله تعالى: (إننا سنلقي عليك قولا ثقيلا)..
    فالعلم كله ثقيل وخاصة ما يسأل عنه يوم القيامة.


    ولقد عاتبه بعض الناس في عنايته الفائقة بأثاث البيت، وبملبسه ومأكله
    فقال: «أما البيت فهو نسب الإنسان. ثم إني لا أحب لامرئ أنعم الله عليه
    ألا يرى أثر نعمته عليه وخاصة أهل العلم». كان يرى في أن البيت الجيد راحة
    للنفس والبدن، وأن الطعام الجيد يعين على نشاط الذهن، وأن حسن الثياب يكسب
    المرء ثقة بالذات وإحساسا بالسعادة.


    وهكذا عاش يستمتع بزينة الحياة الدنيا التي أحلها الله لعباده والطيبات من
    الرزق، نائيا بنفسه عن السياسة، راغبا عن مصاولة الحكام وإن كانوا ظالمين
    حتى لقد أفتى بوجوب الطاعة للحاكم حتى إن كان ظالما. ولا ينبغي الخروج
    عليه بالفتنة بل يسعى الى تغييره بالموعظة الحسنة والأمر بالمعروف والنهي
    عن المنكر لأن ظلم ساعة خلال الفتنة شر من جور حاكم ظالم طيلة حياته.
    والحاكم الظالم يسلط الله عليه ما هو شر منه والله يرمي ظالما بظالم.


    وعلى هذا سار أيام الأمويين، ثم في دولة العباسيين.. يحاول جهده أن يكون على الحياد.


    ولكنه على الرغم من كل شيء لم يعش بمنجاة عن بطش الذين أفتى بوجوب طاعتهم من الحكام مهما يظلمون.


    لم يهاجم الأمويين فأصابه منهم خير كثير ثم جاء العباسيون فزادوه من
    الخيرات.. وأصبح الإمام مالك رجلا غنيا، يعيش في دعة وسعة يمنح كل وقته
    للعلم. ذلك أنه لم يمدح عليا بن أبي طالب ولم يساند حقه في الخلافة.. وكان
    مدح علي هو ما يغيظ الخلفاء الأمويين العباسيين.


    وآثر الحياد، وترك السياسة، وأشفق على نفسه وعلى أهل المدينة بما رأى في
    شبابه من مذابح من بعد ثورة الخوارج ونهضة الإمام زيد بن علي زين
    العابدين، على أن السياسة لم تتركه ولم ينفعه حياد.!.


    ولهو يشرح في المسجد الحديث الشريف: ليس على مستكره يمين.. ويبين للناس أن
    من طلق مكرها لايقع منه طلاق، إذ بأحد أحفاد الحسن ابن علي وهو محمد النفس
    الزكية، يثور على الخليفة المنصور، لأنه أخذ البيعة لنفسه قسرا فبايعه
    الناس مستكرهين.


    وإذ ببعض الناس في المدينة ينتقض بيعته لمنصور وينضم لمحمد النفس الزكية إعمالا لهذا الحديث وتطبيقا للسنة.


    وأرسل والي المدينة إلى الإمام مالك أن يكف عن الكلام في هذا الحديث، وأن يكتمه عن الناس، لانه يحرضهم على الثورة ونقض البيعة.


    ولكن الإمام مالك أبى أن يكتم هذا العلم، فكاتم العلم ملعون. وظل يفسر
    الحديث غير آبه بتهديد والي المدينة، وأطلق الحكم الذي جاء به الحديث على
    كل صور الإكراه في المعاملات والحياة.


    فأمر والي المدينة رجاله فضربوا مالكا أسواطا، ثم جذبوه جذبا غليظا من
    يده، وجروه منها فانخلع كتفه.. ثم أعادوه الى داره وألزموه الإقامة بها.
    لا يخرج منها حتى للصلاة ولا يلقى فيها أحدا.


    وفزع الناس في المدينة الى الله يشكون الظالم، وثار سخطهم على الوالي
    والخليفة نفسه وغضب الفقهاء والعلماء من كل الأمصار والأقطار. فهاهو ذا
    عالم يلتزم الحياد، ينأى بنفسه عن السياسة ودوران دولاتها، ويعكف على
    العلم ويشرح للناس حديثا نبويا صحيحا، ويبصرهم بأحكام هذا الحديث فإذا
    بالدولة بكل قوتها تبطش به، وهو عالم لا يملك إلا قوة العلم وما يستطيع
    بعد كتمان هذا العلم؟..


    وأخذ الناس يلعنون والي المدينة والخليفة المنصور الذي ولاه.. ويتهمون الخليفة نفسه.


    وقمع المنصور ثورة النفس الزكية، وقتله هو وآله بيته وصحبه وأتباعه شر قتلة ومثل بأجسادهم.. واستقر له الأمر.


    فاستقدم الخليفة المنصور مالكا ليسترضيه ولكن مالكا لم يقم ولم يبرح محبسه في منزله.


    فأمر المنصور والي المدينة فأطلق سراح مالك.. ثم جاء المنصور بنفسه من
    العراق إلى الحجاز في موسم الحج، واستقبل الإمام مالك بن أنس. وقال
    الخليفة معتذرا: «أنا أمرت بالذي كان ولا عملته. إنه لا يزال أهل الحرمين
    بخير ما كنت بين أظهرهم، وإني أخالك أمانا لهم من عذاب، ولقد رفع الله بك
    عنهم سطوة عظيمة فإنهم أسرع الناس الى الفتن».


    ثم أضاف الخليفة أنه استحضر والي المدينة مهانا وحبسه في ضيق، وأمر
    الإيغال في إهانته، وأن ينزل به من العقوبة أضعاف ما نال منها الإمام مالك
    بن أنس.


    فقال الإمام مالك: «عافى الله أمير المؤمنين وأكرم مثواه فقد عفوت عنه
    لقرابته من رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ومنك.» قال الخليفة المنصور:
    «فعفا الله عنك ووصلك.. ووهبه المنصور مالا كثيرا وهدايا ثمينة ثم أضاف:


    «إن رابك ريب من عامل (الولي) المدينة أو مكة أو عمال (اي ولاة) الحجاز في
    ذاتك أو ذات غيرك، أو سواء أو شر بالرعية فاكتب إلي أنزل بهم ما
    يستحقونه.»


    على أن الإمام مالك بن أنس لم يكتب الى الخليفة، على الرغم مما سمع وعاين
    من شر بالرعية في جميع أنحاء الحجاز، بل اكتفى بتوجيه النصح والموعظة
    الحسنة إلى هؤلاء الولاة.


    على أن الخليفة المنصور لم يترك الحجاز حتى طلب من الإمام مالك أن يضع
    كتابا يتضمن أحاديث الرسول وأقضية الصحابة وآثارهم، ليكون قانونا تطبقه
    الدولة في كل أقطارها بدلا من ترك الأمر لخلافات المجتهدين والقضاة
    والفقهاء.. وكان ابن المقفع الكاتب قد أشار على الخليفة من قبل بإصلاح
    القضاء وتوحيد القانون في كل أرجاء الدولة..


    قال المنصور للإمام مالك: «ضع للناس كتابا أحملهم عليه» فحاول مالك أن
    يعتذر عن المهمة ولكن المنصور ألح: «ضعه فما أحد اليوم أعلم منك» فقال
    مالك: «إن الناس تفرقوا في البلاد فأفتى كل مصر «أي قطر» بما رأى فلأهل
    المدينة قول، ولأهل العراق قول تعدوا فيه طورهم». فقال الخليفة المنصور:
    «أما أهل العراق فلا أقبل منهم، فالعلم علم أهل المدينة» فقال مالك: «إن
    أهل العراق لا يرضون علمنا» فقال المنصور: «يضرب عليه عامتهم بالسيف وتقطع
    عليه ظهورهم بالسياط ».


    واقتنع مالك برأي الخليفة


    والإمام مالك بن أنس من أفقه الناس بالحديث وآثار الصحابة.. والرأي عنده
    سنة فقد وعى عن رسول الله(صلى الله عليه وسلم) قوله: أنا أقضي بينكم
    بالرأي فيما لم ينزل فيه وحي.. ونقل الإمام مالك عن الرسول عليه السلام
    أنه كان يشاور أصحابه ويأخذ برأيهم.. ونقل من آرائه أن قبلة الصائم لا
    تفطر، فقد سألت زوجه أم المؤمنين أم سلمة عن قبلة الصائم فقال لها هل
    أخبرت أني أقبل وأنا صائم؟.. وحفظ الإمام مالك من آراء الرسول (صلى الله
    عليه وسلم) «أنه ذهب إليه رجل ينكر ولده لأن امرأته جاءت به أسود والأب
    أبيض والأم بيضاء، فقال له الرسول عليه السلام: هل لك إبل؟ قال: نعم. قال
    فما ألوانها؟ قال: «حمر» فسأله عما إن كان فيها «رمادي» فقال الرجل: نعم.
    فسأله الرسول (صلى الله عليه سلم): من أين؟: فقال الرجل: لعله نزعة عرق.
    فقال الرسول عليه السلام وهذا لعله نزعة عرق».


    وعى مالك هذا الإجتهاد من الرسول، ووعى صورا عربية أخرى من أخذه بمشورة
    الصحابة فيما لم ينزل فيه وحي، فاجتهد هو الآخر معتمدا على حسن الفقه
    بالقرآن الكريم، وعمق العلم بالناسخ والمنسوخ، ودلالات النصوص ظاهرها
    وخفيها، وأسرار الأحكام في القرآن، وحسن معرفة الأحاديث وآثار الصحابة..


    وقد عرف كل آثار الصحابة إلا فقه الإمام علي بن أبي طالب، إذ صادره
    الأمويون وحجبوه، وطارده العباسيون.. غير أن ذلك الفقه كان في حدود آل
    البيت وشيعتهم، وفي تكب يتداولونها خفية.


    ولقد أتيح للإمام مالك أن يعرف جعفر الصادق معرفة صداقة وتدارس معا.. وعمل كل واحد منهما تقديرا عظيما لصاحبه.


    وفي الحق أن الإمام مالك قد أفاد من صحبة الإمام جعفر الصادق ـ وأخذ عنه
    الاعتماد على العقل فيما لم يرد فيه نص ـ غير أنه أسماه بالاستحسان أو
    المصلحة المرسلة ـ فقضى بما يحقق مقاصد الشريعة من توفير المصلحة وجلب
    النفع ودفع الضرر.. واعتبر المصلحة العامة فوق المصلحة الخاصة، ووازن بين
    المصالح وما أولاها بالرعية لتكون هي مناط الحكم.


    وكما أعطى أعمال العقل لفقه الإمام الصادق ثراء وتجددا، فقد أثرى الفقه المالكي باعتماد المصلحة أساسا للحكم حيث لا نص..


    ويقول الإمام مالك من علاقته بالإمام جعفر الصادق: «كنت آتي جعفر ابن
    محمد، وكان كثير المزاح والتبسم فإذا ذكر عنده النبي (صلى الله عليه وسلم)
    أخضر واصفر. ولقد اختلفت إليه زمانا فما كنت أراه إلا على ثلاث خصال: إما
    مصليا وإما صائما وإما يقرأ القرآن، وما رأيته قط يحدث عن رسول الله (صلى
    الله عليه وسلم) إلا على الطهارة ولا يتكلم فيما لا يعنيه. وكان من
    العلماء الزهاد العباد الذين يخشون الله. وما رأيته قط إلا يخرج الوسادة
    من تحته ويجعلها تحتي».


    أفاد الإمام مالك من صحبة الإمام جعفر وأخذ عنه كثيرا من طرق استنباط
    الحكم ووجوه الرأي وأخذ عنه بعض الأحكام في المعاملات، وأخذ الإعتماد على
    شاهد دون شاهدين، إذا حلف المدعي اليمين وكما أخذ من الإمام الصادق جعفر
    بن محمد أخذ من أبيه الإمام محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن
    علي بن ابي طالب.


    لزم مالك مجلس الإمام محمد الباقر وابنه الإمام جعفر وتعلم منهما على
    الرغم من أن رأيه في الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه لا يرضي آل
    البيت وشيعتهم.. فقد فضل عليه أبا بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان ابن
    عفان رضي الله عنهم وجعل الإمام عليا كرم الله وجهه ورضي الله انه كسائر
    الصحابة..


    ولئن أغضب هذا الرأي آل البيت والشيعة جميعا، إنه ليرضي الخلفاء الأمويين
    الذين أنكروا حق علي ونازعوه الخلافة واغتصبوها منه، وذبحوا الحسين وآله
    في كربلاء، وذبحوا كل من ثار من آل البيت كزيد بن علي ابن الحسين.. أفي
    هذا الرأي يرضي الخلفاء الأمويين كما أرضى من بعدهم الخلفاء العباسيين
    الذي رأوا أن الخلافة تحق لبني العباس عم النبي (صلى الله عليه وسلم) ولا
    تحق لبني علي وفاطمة.. وأغروا أحد الشعراء بأن يقول إن بني البنات (يعنون
    فاطمة الزهراء رضي الله عنها) لا يرثن بل يرث الأعمام (يعنون العباس):


    لبني البنات وراثة الأعمام


    أنى يكون وليس ذاك بكائن



    وقد كان رأي مالك بن أنس حريا بأن يعطف عليه قلوب الخلفاء الأمويين والعباسيين وهذا ما كان.


    غير أن الإمام مالك بن أنس لم ينافق الخلفاء، وإذا كان لم يجهر بالإحتجاج
    على مظالمهم، فقد اختار أن يوجه إليهم الموعظة الحسنة كلما اقتضى ـ كلما
    لقيهم في موسم الحج أو في زيارة الحرم النبوي.. وأنكر عليه أحد تلاميذه
    أنه يتصل بالأمراء وبالخلفاء لأنهم ظالمون وما ينبغي أن يتصل بهم رجل صالح
    كالإمام مالك بن أنس.. فرد مالك: «حق على كل مسلم أو رجل جعل الله في صدره
    شيئا من العلم والفقه أن يدخل على ذي سلطان يأمره بالخير وينهاه عن الشر»
    وربما يستشير السلطان من لا ينبغي فخير أن يدخل عليه العلماء الصالحون.


    وعندما ألح عليه تلاميذه في إنكار علاقاته بالخلفاء والأمراء قال: «لولا
    أني آتيتهم ما رأيت للنبي (صلى الله عليه وسلم) في هذه المدنية سنة معمولا
    بها».


    وفي الحق أنه كان يعظهم أحسن موعظة، الموعظة الحسنة لأولي الأمر خير من
    الثورة عليهم واشتعال الفتنة التي لا تصيب الذين ظلموا خاصة فقد تلتهم
    الظالمين والضحايا والأبرياء جميعا.


    كان مالك.. يسر النصيحة إلى ولي الأمر بحيث لا يحرجه أمام الرعية ويصوغها بحيث تقع موقعا حسنا.


    رأى أحدهم يذهب الى الحج في موكب فخيم وسوف الترف باد عليه فقال له: «كان
    عمر بن الخطاب على فضله ينفخ النار تحت القدر حتى يخرج الدخان من لحيته
    وقد رضي الناس منك بدون هذا».


    وقال لآخر: «افتقد أمور الرعية، فإنك مسؤول عنهم، فإن عمر ابن الخطاب قال
    والذي نفسي بيده لو هلك جمل بشاطئ الفرات ضياعا لظننت أن الله يسألني عنه
    يوم القيامة».


    وكتب لخليفة آخر: «إحذر يوما لا ينجيك فيه إلا عملك وليكن لك أسوة بمن قد مضى من سلفك، وعليك بتقوى الله».


    وكان أحد الولاة يزور الإمام مالك بن أنس في بيته، ويسأله النصيحة.. فأثنى
    على الوالي بعض الحاضرين، فغضب مالك، وكان بعيد الغضب، وصاح في الوالي ـ
    وقلما كان يصيح ـ: «إياك أن يغرك هؤلاء بثنائهم عليك، فإن من أثنى وقال
    فيك من الخير ما ليس فيك، أوشك أن يقول فيك من الشر ما ليس فيك.. إنك أنت
    أعرف بنفسك منهم.. ولقد قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): أحثوا التراب
    في وجوه المداحين».


    وكان عليه الصلاة والسلام يعظ صحابته: إن كثرة المدح تضيع الممدوح.


    عندما بلغ مالك من الكبر عتيا كانت شهرته طبقت الآفاق حقا، وكان يلزم بيته
    في السنوات الأخيرة لا يخرج إلا نادرا واضطر الى أن يتخذ له حاجبا ينظم
    دخول الناس كما يصنع الخلفاء، وقد اتخذ له بيتا آخر واسعا غير دار ابن
    مسعود فيه عدد من الجاري الحسان والخدم.


    وكان يحرجه أن يرفض استقبال أحد، وله أصدقاء كثر. واستخلص العبرة من كل
    حياته الماضية وأفضى بنصيحة الى أحد تلاميذه ليبثها في الناس من بعده:
    «إياكم ورق الأحرار».


    سأله تلميذه: «وما رق الأحرار؟» قال الإمام مالك «كثرة الإخوان.. فإن كنت قاضيا ظلمت أو اتهمت بالظلم، وإن كنت عالما ضاع وقتك».


    وكان مالك يشكو كثرة الأصدقاء، إذ لا حيلة له معهم، فلا هو يستطيع أن
    يردهم عنه، ولا هم يتركونه يعمل أو يعتكف في داره للعلم كما ينبغي له..

    ومهما يكن من أمر فقد أغنى مالك الفقه الإسلامي برأيه في المصلحة وجعلها
    مناط الأحكام وأساسه فيما لم يرد فيه نص ملزم بالإباحة أو المنع، وفي أخذه
    بالذرائع فما يؤدي إلى الحلال حلال، وما يؤدي إلى الحرام حرام.. فأنت حر
    في ملكك لكنك في حريتك يجب ألا تضر غيرك فإذا حفرت بئرا خلف بابك يؤدي الى
    سقوط الداخل إليك وهلاكه فهذا حرام.. لأن حفر البئر ذريعة لاهلاك الغير
    فهو ممتنع. والبيع بأقساط ترفع الثمن الأصلي الذي تدفعه معجلا ذريعة الى
    الربا



    عدل سابقا من قبل Romio في الجمعة 04 يونيو 2010, 9:03 pm عدل 1 مرات
    eman
    eman
    مشرفة الأقسام الاسلامية
    مشرفة الأقسام الاسلامية


    عدد المساهمات : 4406
    رقم العضوية رقم العضوية : 36
    الفرقة الدراسية : تخرجت الحمدالله
    العمل/الترفيه : الكمبيوتر
    الاوسمة : نجمة المنتدى الاسلامى
    اوسمة مسابقات : مالـك بـن أنـس رضى الله عنه Empty
    و - الالفية : 4000

    مالـك بـن أنـس رضى الله عنه Empty رد: مالـك بـن أنـس رضى الله عنه

    مُساهمة من طرف eman الجمعة 04 يونيو 2010, 8:54 pm

    مالـك بـن أنـس رضى الله عنه 597183

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد 19 مايو 2024, 10:07 pm