الحمد لله ولى الامر والتدبير , واليه المرجع
والمصير سبحانه كتب على نفسه البقاء وعلى خلقه الفناء , وهو الحى الدائم الذى لا يموت , والصلاة والسلام على خاتم الانبياء الذى خير فاختار الرفيق الاعلى , ولم تفتنه الحياة الدنيا , وعلى اّله وصحبه ومن سار على نهجه وأحيا سنته الى يوم الدين .
هذا الموضوع " عذاب القبر ونعيمه وعظة الموت" يتناول بداية الحقيقة الوحيدة التى تواجه الانسان كل يوم فلا يتنبه لها الى ان تقع لذاته حين لاينفع الانتباه , وهذه الحقيقة الوحيدة هى الـــــــــــــــــــــمـــــــــــــــــــــوت
ذلك ان الموت يكاد يفقد موعظته بيننا يوما بعد يوم , وبالتالى لا تقع أحداث ما بعد الموت فى داخلنا موقعها الصحيح , وهذا هو الموضوع
هذا الموضوع يتكون من عدة مواضيع
الاول
عظة الموت
1 / كما بدأكم تعودون !
2/ لماذا كتب الله الموت ؟
3/ كفى بالموت واعظا !
4/ اقوال العلماء فى الموت ووصفهم له ....
5/ هل الموت كفارة ؟
( كما بدأكم تعودون ! )
لابد من الموت , لانه خروج من مكان يستحيل البقاء فيه وانتقال الى دار يحاسب فيها القهار , وبعدها ينتهى الانسان من الحساب لتقاس الاشياء بموازين طبيبعية , لا تخيب عندها الحق , ولا يساند عندها الباطل , فالحق حق .... والباطل باطل .
لا بد من الموت , لانه رجوع الى الاصل الذى خلق منه الانسان فكما خلقه من تراب , لابد وان يكون ترابا لتتذكر النفوس الظالمة حالها حين ظلمها , والمضطربة حين اضطرابها , والمفسدة حين افسادها _ ان ما لها الى تراب خفف الوطء ما اظن اديم الارض الا من هذه الاجساد فربما تخشع يوما , او تتعظ ساعة , فينصلح حال الدنيا ويكون هناك اهل حق واهل باطل , وتسير فى حالة لا يستقيم عندها الحق كله , ولا يؤدى بها الى الهلاك ... بل الموت بصيرة امام البشر , يودعون واحدا منهم , فيرون التراب والعظام والدود واللحود ... ولولا ذلك لما استقام بشرعلى طريق سوى , فالنهاية معلومة ووقتها يبدأ الاصلاح فلا يستقر حال بنى البشر .
لابد من الموت , لانه اظهار لقدرة الله , وبرهان على البعث , ودليل متيقن على الوقوف امام الله رب العالمين , فكيف يسير العالم منذ خلق والناس يتساقطون كل يوم , بل كل لحظة؟ وكيف يحاسب اولئك جميعا امام رب العالمين ؟... وكيف يتأكد الناس من أن ظالما لن يعيث فى الارض الفساد طويلا ؟..
ان الموت دليل لهم على حياتهم الباقية التى ارادها لهم رب البرية بمقاييس معلومة , وموازين سديدة محكمة , فخالق الموت جدير وقدير على محاسبة الناس جميعا . وهذا الانسان الظالم لن يبقى على الارض طويلا مادام البشر يموتون , والمطمئن لقلوبهم ان الموت غير معلوم . اذن ... فالموت لابد منه ليتعظ الناس , وتستقر احوالهم , فكان اقوى عظة , وافظع خطب , واشنع امر, واكره كأس ... لذا كان تذكره دائما سبيلا الى الاصلاح .. اصلاح النفس .. اصلاح المفاسد .. والاصلاح بين الناس .. واصلاح المجتمع .. والجهاد فى سبيل الله .
فهل نتخيل حين نؤخذ من فراشنا , ونشد على لوح , وخروجنا بأكفان لا تحمل بين طياتها سوى قطعة من القطن . ودخولنا قبورنا بيوت الدود بدلا من الجحود . واللحود بدلا من عصيان الودود ؟!!
انها ساعة يتحير عندها العقل .. يرجع الى رشده يعمل فكره ... يهيب بالناس أن يحسنوا الختام , وأن يرفعوا لا اله الا الله محمد رسول الله... (صلى الله عليه وسلم) ... وها نحن أولاء فى دار الدنيا , فهيا نجتمع جميعا ولا نفترق , ونتحاب ولا نتخاصم , مادام هذا مصيرنا ؟. الموت يعمنا , والقبر يضمنا , والقيامة تجمعنا , والله يحكم بيننا , ويفصل فينا , وهو احكم الحاكمين .
..............................................
يحكى ان رجلين تنازعا وتخاصما فى ارض , فانطق الله عز وجل لبنة من حائط من تلك الارض , فقالت : ياهذان .. فيم تتنازعان ؟ وفيم تتخاصمان ؟ . انى كنت ملكا من الملوك , ملكت كذا و كذا سنة ثم مت وصرت ترابا , فبقيت كذلك الف سنة ثم أخذنى خزاف - يعنى فخارا - فعمل منى اناء فاستعملت حتى تكسرت , ثم عدت ترابا فبقيت الف سنة , ثم أخذنى رجل فضرب منى لبنة فجعلنى فى هذا الحائط ! . ففيم تنازعكما ؟ وفيم تخاصمكما ؟..
........................
ويحكى ان الرشيد لما اشتد مرضه , احضر طبيبا نطاسيا فارسيا, وامر ان يعرض عليه ماؤه مع مياه كثيرة لمرضى , واصحاء , فجعل يستعرض القوارير حتى رأى قاروة الرشيد . فقال : قولوا لصاحب هذا الماء يوصى , فانه قد انحلت قواه , وتداعبت بنيته . ولما استعرض باقى الماء شعر بقدوم الموت فنقلوه حيث فاضت روحه , فيئس الرشيد من نفسه وأنشد :
ان الطبيب بطبه ودوائه
لا يستطيع دفاع نحب قد اتى
ما للطبيب يموت بالداء الذى
قد كان أبرأ مثله فيما مضى
مات المداوى والمداوى الذى
جلب الدوا أو باعه , ومن اشترى
وصدق القائل :
قل للطبيب تخطفته يد الردى
ياشافى الامراض من ارداكا؟!
والقائل:
تزود من التقوى فانك لا تدرى
اذا جن ليل هل تعيش الى الفجر ؟!
فكم من صحيح مات من غير علة
وكم من عليل عاش حينا من الدهر؟!
وكم من صبى يرتجى طول عمره
وقد نسجت أكفانه وهو لا يدرى !
وكم من عروس زينوها لزوجها
وقد قبضت روحاهما ليلة القدر!
انتظروا باقى الموضوع