فُسْتانُ حَفْلةٍ صَغْيرٌ قصة: كريستيان بوبان |
فُسْتانُ حَفْلةٍ صَغْيرٌ
ليْسَ داخلنا ثمَّة شئٌ ..وليس هنالكَ مِنْ أحدٍ ..ولا نمتلكُ سوى انتظارٍ لا لونَ ولا شكلَ له.هو ليسَ انتظارَ شئٍ ما..هو فينا كهواءٍ مُمتزجٍ بهواءٍ . لا يشبهُ شيئاً ، لكنهُ يصل ـ ربَّما ـ وإلى أقصى حدٍّ ، إلى قمَّةِ المللِ. لم يكُنْ هناكَ هذا الانتظار ..ولْيس لديْنا ـ نحْنُ ـ دائماً شئٌ ..وما مِنْ أحدٍ برفْقتنا. كنَّا أثناء مرحلة الطفولة معاً ولم يكن الإله ـ بالنسبة لناـ سوى شئ زهيد من ممتلكاتنا الممتدة ..شئ كقشَّةِ عُشْبٍ في مرْعى. كان ذلك في ختام مرحلة الطفولة التي بدأها الانتظار ..وكان ذلك ـ أيضاً ـ بعْدَ وقت استهلناه منتظرين. سِرْنا عدة خطوات خارج نطاق الطفولة ..ثم توقفنا بسرعة جدًا. كنا كهذا الذي يراوح في موته بالغاً..ننتظر ..ننتظر حتى يُخّلصنا الانتظار من نفسه ..حتى يتساوى الانتظار بالنوم أو بالموت.
الحب يبدأ هناك في قاع الصحراء متوارياً في بداياته ..غامضاً في طلعته .. بدايةً لا يرى أحد أي شئ ..ثم نراه وهو يتقدم ..هذا هو كل شئ ..يتقدم في اتجاه ذاته ونحن ذروته الخاصة.هكذا رأيتكِ تتقدمين بين ثنايا غبار الصيف ..في خفَّةٍ وأنتِ في فستانك الأبيض تماماً.
تلك التي نحبها ..نشاهدها تتقدم عاريةً تماماً وهي في فستان شفاف .. تشبه اللاتي أزْهرْنَ من قبل يوم الأحد في أقرب معبد وفي فناء المرقص .. غير أنها عارية كنجم وقت طلوع الفجر.
لكي أراكِ ..تبدأين مضاءة في عيني ، ولكي أرى هذا الفستان الأبيض .. الناصع البياض مثل سماء زرقاء.
وبنظرة بريئة ..يعود التأثير خالصاً ..داخل طاحونةِ عُزْلتي تدخلين كما الفجر ..تقبلين كالضياء ..تتجولين داخل روحي كنهر ساعةَ أن يفيض ..بينما ضحكاتك تجتاح كل ما لي من أراضٍ.غير أني حينما أعود إلى ذاتي ..لا أعثر فيها على شئ : حيث صار كل شئ ـ هناكَ ـ مُعْتماً. تدور شمس ضخمة . .هناك حيث ماتت كل الأشياء.
ثمة يتراقص ينبوع صغير ..وامرأة رقيقة جداً أخذت ـ إلى حد ما ـ مكانها : ولم أعُدْ إليها.
ليست هناك معرفة خارج حدود الحب ..مثلما ليس في الحب ما لا تبلغه دراية إنسان.لقد اكتشفتكِ ..وكنتِ أنتِ مَنْ تنامُ في عمق الربيع أسفل أغصان هامدة ـ أبداً ـ من الحلم. لقد تنبأتُ بكِ منذ زمن طويل ..في نضارة المنتزه ..في الهواء الطلق ..في الدفاتر الكبيرة ..أو في ضعف الصمت ..قد كنتِ أمل أشياء كثيرة ..كنتِ روعة كل يوم .. وكنتِ أنتِ الحياة ذاتها ممتزجة بفساتينكِ أو مرتجفة من ضحكاتكِ. لقد اختطفتِ العقل مني ..العقل الذي هو أردأ من الموت نفسه ..ووهبتِ لي انفعالاً هو بمثابة الصحة الحقيقية.زمن مضى والأيام قد احترقت ..وما من ذرة رماد فوق العتبات ..لم نبتعد بأنفسنا عن أغصان واضحة المنشأ ..لكأنكِ لم تتركي ـ قط ـ فستان الحفلة الصغير هذا ..وكأنني لم أكف عن أن أصبح وديعاً أمام الأشياء كلها ..كعجيبة أنشودة الميلاد فوق الأرض.دائماً ما يُعيد الحب وجه الطفولة إلينا بريئاً ..نافخاً التراب عن قسمات وجوهنا ..كأن الزمن لم يكن شيئاً وكأن الحب أضحى كل شئ.كنتِ كعصفور متقلب الفؤاد ..وأنا تعلمتُ طرق الأشجار الكبيرة ..أدناها ينأى ..وأنتِ تُحلقين ـ منيعةً ـ بنفسكِ حتى السماء. ثم رحلتِ ..ولم يكن ذلك خيانة ..إنها متابعة للدرب نفسه بداخلكِ . وذهبتِ بفستان الثلج الصغير ..فلم يعد يتراقص في حياتي ..ولم يعد يدور في أحلامي . لقد كان يطفو تحت أجفاني حين أغلقها لكي أنام ..بالضبط هناكَ : بين العين وبين العالم. تحركه رياح الأيام بشدة ..وعاصفة المكتئبين تنقصه في القلب كمصراع أعلى زجاج نافذة مشقوق. من لم يكن يعرف الغياب لا يعرف عن الحب أي شئ..ومن فَهِمَ الغياب أخذ العلم من اللا شئ ..من هذه المعرفة البعيدة التي تجعل الدواب ترتعد وقت دنوِّ موتها.
وقت الرحيل ..يصبح الدرب ضيقاً من صدمة واحدة ..وكي نَعْبُرَ ..علينا أن نتركه كاملاً ..ناشرين كل ثرواتنا ..فيما يتأهب الحب بنا إلى تلك النهاية. يمر كمطر من ضوء الحديقة ..تاركاً فينا عزلة داميةً تماماً ..إنه ضوء رقيق في نهايات الصيف ..وخلال هبوط فترة الطفولة. لم تكوني ـ أنتِ ـ أبداً السبب في عزلتي ..لقد رقدتْ ـ قبلكِ ـ بداخلي جيداً.أنتِ هي تلك التي نشبهها. مع نهاية الحب ..نكتشف ملوك السّحْرِ : الكآبة..الصمت ..والبهجة..يتقدمون ببطء في الهواء الأزرق ويصطحبون معهم تاج الخيال ..ودمعة من ذهب. يأتون من الطفولة ويدخلون في الروح ببطء يوماً بعد يوم . الكآبة ..الصمت ..والبهجة بهذا الترتيب . دائماً الصمت في المنتصف ..أمَّا في المركز فثمَّة فستان صمت صغير شفاف.
ليْسَ داخلنا ثمَّة شئٌ ..وليس هنالكَ مِنْ أحدٍ ..ولا نمتلكُ سوى انتظارٍ لا لونَ ولا شكلَ له.هو ليسَ انتظارَ شئٍ ما..هو فينا كهواءٍ مُمتزجٍ بهواءٍ . لا يشبهُ شيئاً ، لكنهُ يصل ـ ربَّما ـ وإلى أقصى حدٍّ ، إلى قمَّةِ المللِ. لم يكُنْ هناكَ هذا الانتظار ..ولْيس لديْنا ـ نحْنُ ـ دائماً شئٌ ..وما مِنْ أحدٍ برفْقتنا. كنَّا أثناء مرحلة الطفولة معاً ولم يكن الإله ـ بالنسبة لناـ سوى شئ زهيد من ممتلكاتنا الممتدة ..شئ كقشَّةِ عُشْبٍ في مرْعى. كان ذلك في ختام مرحلة الطفولة التي بدأها الانتظار ..وكان ذلك ـ أيضاً ـ بعْدَ وقت استهلناه منتظرين. سِرْنا عدة خطوات خارج نطاق الطفولة ..ثم توقفنا بسرعة جدًا. كنا كهذا الذي يراوح في موته بالغاً..ننتظر ..ننتظر حتى يُخّلصنا الانتظار من نفسه ..حتى يتساوى الانتظار بالنوم أو بالموت.
الحب يبدأ هناك في قاع الصحراء متوارياً في بداياته ..غامضاً في طلعته .. بدايةً لا يرى أحد أي شئ ..ثم نراه وهو يتقدم ..هذا هو كل شئ ..يتقدم في اتجاه ذاته ونحن ذروته الخاصة.هكذا رأيتكِ تتقدمين بين ثنايا غبار الصيف ..في خفَّةٍ وأنتِ في فستانك الأبيض تماماً.
تلك التي نحبها ..نشاهدها تتقدم عاريةً تماماً وهي في فستان شفاف .. تشبه اللاتي أزْهرْنَ من قبل يوم الأحد في أقرب معبد وفي فناء المرقص .. غير أنها عارية كنجم وقت طلوع الفجر.
لكي أراكِ ..تبدأين مضاءة في عيني ، ولكي أرى هذا الفستان الأبيض .. الناصع البياض مثل سماء زرقاء.
وبنظرة بريئة ..يعود التأثير خالصاً ..داخل طاحونةِ عُزْلتي تدخلين كما الفجر ..تقبلين كالضياء ..تتجولين داخل روحي كنهر ساعةَ أن يفيض ..بينما ضحكاتك تجتاح كل ما لي من أراضٍ.غير أني حينما أعود إلى ذاتي ..لا أعثر فيها على شئ : حيث صار كل شئ ـ هناكَ ـ مُعْتماً. تدور شمس ضخمة . .هناك حيث ماتت كل الأشياء.
ثمة يتراقص ينبوع صغير ..وامرأة رقيقة جداً أخذت ـ إلى حد ما ـ مكانها : ولم أعُدْ إليها.
ليست هناك معرفة خارج حدود الحب ..مثلما ليس في الحب ما لا تبلغه دراية إنسان.لقد اكتشفتكِ ..وكنتِ أنتِ مَنْ تنامُ في عمق الربيع أسفل أغصان هامدة ـ أبداً ـ من الحلم. لقد تنبأتُ بكِ منذ زمن طويل ..في نضارة المنتزه ..في الهواء الطلق ..في الدفاتر الكبيرة ..أو في ضعف الصمت ..قد كنتِ أمل أشياء كثيرة ..كنتِ روعة كل يوم .. وكنتِ أنتِ الحياة ذاتها ممتزجة بفساتينكِ أو مرتجفة من ضحكاتكِ. لقد اختطفتِ العقل مني ..العقل الذي هو أردأ من الموت نفسه ..ووهبتِ لي انفعالاً هو بمثابة الصحة الحقيقية.زمن مضى والأيام قد احترقت ..وما من ذرة رماد فوق العتبات ..لم نبتعد بأنفسنا عن أغصان واضحة المنشأ ..لكأنكِ لم تتركي ـ قط ـ فستان الحفلة الصغير هذا ..وكأنني لم أكف عن أن أصبح وديعاً أمام الأشياء كلها ..كعجيبة أنشودة الميلاد فوق الأرض.دائماً ما يُعيد الحب وجه الطفولة إلينا بريئاً ..نافخاً التراب عن قسمات وجوهنا ..كأن الزمن لم يكن شيئاً وكأن الحب أضحى كل شئ.كنتِ كعصفور متقلب الفؤاد ..وأنا تعلمتُ طرق الأشجار الكبيرة ..أدناها ينأى ..وأنتِ تُحلقين ـ منيعةً ـ بنفسكِ حتى السماء. ثم رحلتِ ..ولم يكن ذلك خيانة ..إنها متابعة للدرب نفسه بداخلكِ . وذهبتِ بفستان الثلج الصغير ..فلم يعد يتراقص في حياتي ..ولم يعد يدور في أحلامي . لقد كان يطفو تحت أجفاني حين أغلقها لكي أنام ..بالضبط هناكَ : بين العين وبين العالم. تحركه رياح الأيام بشدة ..وعاصفة المكتئبين تنقصه في القلب كمصراع أعلى زجاج نافذة مشقوق. من لم يكن يعرف الغياب لا يعرف عن الحب أي شئ..ومن فَهِمَ الغياب أخذ العلم من اللا شئ ..من هذه المعرفة البعيدة التي تجعل الدواب ترتعد وقت دنوِّ موتها.
وقت الرحيل ..يصبح الدرب ضيقاً من صدمة واحدة ..وكي نَعْبُرَ ..علينا أن نتركه كاملاً ..ناشرين كل ثرواتنا ..فيما يتأهب الحب بنا إلى تلك النهاية. يمر كمطر من ضوء الحديقة ..تاركاً فينا عزلة داميةً تماماً ..إنه ضوء رقيق في نهايات الصيف ..وخلال هبوط فترة الطفولة. لم تكوني ـ أنتِ ـ أبداً السبب في عزلتي ..لقد رقدتْ ـ قبلكِ ـ بداخلي جيداً.أنتِ هي تلك التي نشبهها. مع نهاية الحب ..نكتشف ملوك السّحْرِ : الكآبة..الصمت ..والبهجة..يتقدمون ببطء في الهواء الأزرق ويصطحبون معهم تاج الخيال ..ودمعة من ذهب. يأتون من الطفولة ويدخلون في الروح ببطء يوماً بعد يوم . الكآبة ..الصمت ..والبهجة بهذا الترتيب . دائماً الصمت في المنتصف ..أمَّا في المركز فثمَّة فستان صمت صغير شفاف.