معركة نهاوند
عن السائب بن الأقرع قال : زحف للمسلمين زحف لم يُرَ مثله قط ، رجف له أهل ماه
و أصبهان و همذان و الري وقومس ونهاوند و أذريبجان ، قال : فبلغ ذلك عمر
فشاور المسلمين .
فقال علي رضي الله عنه : أنت أفضلنا رأياً و أعلمنا بأهلك . فقال : لأستعملن
على الناس رجلاً يكون لأول أسنّة يلقاها ،-أي أول من يتلقى الرماح
بصدره ،كناية عن شجاعته- ياسائب اذهب بكتابي هذا إلى النعمان بن مُقرِّن ، فليسر
بثلثي أهل الكوفة ، وليبعث إلى أهل البصرة ، و أنت على ما أصابوا
من غنيمة ، فإن قُتل النعمان فحذيفة الأمير ، فإن
قُتل حذيفة فجرير بن عبد الله ، فإن قُتل ذلك الجيش فلا أراك .
لما انتصر المسلمون في القادسية على الفرس كاتب يزدجرد أهل الباب والسند
وحلوان ليجتمعوا فيوجهوا ضربة حاسمة
للمسلمين ، فتكاتبوا واجتمعوا في نهاوند .
وأرسل سعد بن أبي وقاص إلى عمر :
( بلغ الفرس خمسين ومائة ألف مقاتل ، فإن جاؤونا
قبل أن نبادرهم الشدة ازدادوا جرأة وقوة ، وإن نحن عاجلناهم كان لنا ذلك ).
وأرسل عمر إلى سعد محمد بن مسلمة ليخبره أن يستعد الناس
لملاقاة الفرس ، فغادر سعد الكوفة إلى المدينة ليخبر عمر
بخطورة الموقف شفاهة ، فجمع عمر المسلمين في المدينة ، وخطب
فيهم وشرح لهم خطورة الوضع ، واستشارهم ، وأشاروا عليه أن
يقيم هو بالمدينة ، وأن يكتب إلى أهل الكوفة فليخرج ثلثاهم
لمساعدة الجيش الإسلامي وأهل البصرة بمن عندهم . ثم
قال عمر : أشيروا عليّ برجل يكون أوليه ذلك الثغر غداً،
فقالوا : أنت أفضل رأياً وأحسن مقدرة ، فقال : أما والله لأولين
أمرهم رجلاً ليكونن أول الأسنة – أي : أول من يقابل الرماح
بوجهه – إذا لقيها غداً ، فقيل : من يا أمير المؤمنين ؟
فقال : النعمان بن مقرن المزني ، فقالوا : هو لها .
ودخل عمر المسجد ورأى النعمان يصلي ،فلما قضى صلاته
بادره عمر : لقد انتدبتك لعمل ، فقال : إن يكن جباية للضرائب فلا ،
وإن يكن جهاداً في سبيل الله فنعم . وانطلق النعمان
عام (21) للهجرة يقود الجيش ، وبرفقته بعض الصحابة الكرام .
وطرح الفرس حسك الحديد – مثل الشوك يكون من الحديد – حول
مدينة نهاوند ، فبعث النعمان عيوناً فساروا لايعلمون بالحسك ، فزجر
بعضهم فرسه فدخلت في يده حسكة ، فلم يبرح الفرس مكانه ، فنزل صاحبه
ونظر في يده فإذا في حافره حسكة ، فعاد وأخبر النعمان بالخبر ، فاستشار
جيشه فقال : ماترون؟ فقالوا : انتقل من منزلك هذا حتى يروا أنك هارب
منهم ، فيخرجوا في طلبك ، فانتقل النعمان من منزله ذلك ، وكنست
الأعاجم الحسك فخرجوا في طلبه ، فرجع النعمان ومن معه
عليهم ، وقد عبأ الكتائب ونظم جيشه وعدده ثلاثون ألفاً ، وجعل
علىمقدمة الجيش نعيم بن مقرن ،
وعلى المجنبتين : حذيفة بن اليمان وسويد بن مقرن ، وعلى المجردة القعقاع بن عمرو ،
وعلى الساقة مجاشع بن مسعود ، ونظم الفرس قواتهم تحت
إمرة (الفيرزان) ، وعلى مجنبتتيه (الزردق) و(بهمن جاذويه)
الذي ترك مكانه ل( ذي الحاجب ) .
أنشب النعمان القتال يوم الأربعاء ، ودام على شكل مناوشات
حادة إلى يوم الخميس ، والحرب سجال بين الفريقين ، وكان الفرس خلالها في خنادق .
وخشي المسلمون أن يطول الأمر فاستشار النعمان أصحابه ،
فتكلم قوم فردت آراؤهم ، ثم تكلم طليحة فقال :أرى أن تبعث
خيلاً مؤدبة ، فيحدقوا بهم ، ثم يرموا لينشبوا القتال ، ويحمشوهم – أي يغضبوهم – ،
فإذا أحمشوهم واختلطوا بهم وأرادوا
الخروج أرزوا – أي انضموا- إلينا استطراداً – أي خديعة - .. وأقر الجميع
هذا الرأي فأمر النعمان القعقاع أن ينشب القتال فأنشبه ، فخرج
الفرس من خنادقهم ، فلما خرجوا نكص القعقاع بجنده ، ثم نكص
ثم نكص ، وخرج الفرس جميعاً فلم يبق أحد إلا حرس الأبواب ،حتى
انضم القعقاع إلى الناس ، والنعمان والمسلمون علىتعبيتهم في يوم جمعة
في صدر النهار ، وأقبل الفرس على الناس يرمونهم حتى أفشوا فيه
الجراحات ، والمسلمون يطلبون من النعمان الإذن
بالقتال ، وبقي النعمان يطلب منهم الصبر .
فلما جاء الزوال وتفيأت الأفياء وهبت الرياح أمر بالقتال ، كل ذلك
إحياء لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يختار
هذا الوقت للقتال ، وعندئذ ركب فرسه وبدأ يحرض المسلمين
على القتال ، ثم قال : فإن قتلت فلأمير بعدي حذيفة ، وإن قتل فلان .. وعد سبعة .
وكبر النعمان التكبيرة الأولى ثم الثانية ، ثم قال : اللهم اعزز دينك
وانصر عبادك ، واجعل النعمان أول شهيد اليوم على إعزاز دينك
ونصر عبادك ، اللهم إني أسألك أن تقر عيني اليوم بفتح
يكون فيه عزالإسلام ، أمنوا رحمكم الله . فبكى الناس .
وكبر النعمان التكبيرة الثالثة ، وبدأ القتال ، وأثناء تقدم القائد بدأ
الفرس يتركون الساحة وزلق بالقائد فرسه من كثرة الدماء في أرض
المعركة ، فصرع بين سنابك الخيل ، وجاءه سهم في جنبه ، فرآه
أخوه نعيم فسجاه بثوب ، وأخذ الراية قبل أن تقع وناولها
حذيفة بن اليمان فأخذها ، وقال المغيرة : اكتموا مصاب
أميركم حتى ننتظر ما يصنع الله فينا وفيهم ؛ لئلا يهن الناس .
ولما زلق فرس النعمان به لمحه معقل بن يسار فجاءه
بقليل من الماء ، فغسل عن وجهه التراب ، فقال
النعمان : من أنت ؟ قال : أنا معقل بن يسار ، قال : ما فعل الناس ؟ قال :
فتح الله عليهم ، قال : الحمد لله ، اكتبوا بذلك إلى عمر ، وفاضت روحه .
ولما أظلم الليل انهزم الفرس وهربوا دون قصد فوقعوا في واد ،
فكان واحدهم يقع فيقع معه ستة ، فمات في هذه المعركة
مائة ألف أو يزيد ، قتل في الوادي فقط ثمانون ألفاً ،
وقتل ذو الحاجب ، وهرب الفيرزان ، وعلم بهربه القعقاع فتبعه هو
ونعيم بن مقرن فأدركاه في واد ضيق فيه قافلة كبيرة من بغال
وحمير محملة عسلاً ذاهبة إلى كسرى ، فلم يجد طريقاً فنزل
عن دابته وصعد في الجبل ليختفي ، فتبعه القعقاع راجلاً فقتله .
وحزن المسلمون على موت أميرهم وبايعوا بعد المعركة أميرهم
الجديد حذيفة ، ودخلوا نهاوند عام 21هـ بعد أن فتحوها.
عن السائب بن الأقرع قال : زحف للمسلمين زحف لم يُرَ مثله قط ، رجف له أهل ماه
و أصبهان و همذان و الري وقومس ونهاوند و أذريبجان ، قال : فبلغ ذلك عمر
فشاور المسلمين .
فقال علي رضي الله عنه : أنت أفضلنا رأياً و أعلمنا بأهلك . فقال : لأستعملن
على الناس رجلاً يكون لأول أسنّة يلقاها ،-أي أول من يتلقى الرماح
بصدره ،كناية عن شجاعته- ياسائب اذهب بكتابي هذا إلى النعمان بن مُقرِّن ، فليسر
بثلثي أهل الكوفة ، وليبعث إلى أهل البصرة ، و أنت على ما أصابوا
من غنيمة ، فإن قُتل النعمان فحذيفة الأمير ، فإن
قُتل حذيفة فجرير بن عبد الله ، فإن قُتل ذلك الجيش فلا أراك .
لما انتصر المسلمون في القادسية على الفرس كاتب يزدجرد أهل الباب والسند
وحلوان ليجتمعوا فيوجهوا ضربة حاسمة
للمسلمين ، فتكاتبوا واجتمعوا في نهاوند .
وأرسل سعد بن أبي وقاص إلى عمر :
( بلغ الفرس خمسين ومائة ألف مقاتل ، فإن جاؤونا
قبل أن نبادرهم الشدة ازدادوا جرأة وقوة ، وإن نحن عاجلناهم كان لنا ذلك ).
وأرسل عمر إلى سعد محمد بن مسلمة ليخبره أن يستعد الناس
لملاقاة الفرس ، فغادر سعد الكوفة إلى المدينة ليخبر عمر
بخطورة الموقف شفاهة ، فجمع عمر المسلمين في المدينة ، وخطب
فيهم وشرح لهم خطورة الوضع ، واستشارهم ، وأشاروا عليه أن
يقيم هو بالمدينة ، وأن يكتب إلى أهل الكوفة فليخرج ثلثاهم
لمساعدة الجيش الإسلامي وأهل البصرة بمن عندهم . ثم
قال عمر : أشيروا عليّ برجل يكون أوليه ذلك الثغر غداً،
فقالوا : أنت أفضل رأياً وأحسن مقدرة ، فقال : أما والله لأولين
أمرهم رجلاً ليكونن أول الأسنة – أي : أول من يقابل الرماح
بوجهه – إذا لقيها غداً ، فقيل : من يا أمير المؤمنين ؟
فقال : النعمان بن مقرن المزني ، فقالوا : هو لها .
ودخل عمر المسجد ورأى النعمان يصلي ،فلما قضى صلاته
بادره عمر : لقد انتدبتك لعمل ، فقال : إن يكن جباية للضرائب فلا ،
وإن يكن جهاداً في سبيل الله فنعم . وانطلق النعمان
عام (21) للهجرة يقود الجيش ، وبرفقته بعض الصحابة الكرام .
وطرح الفرس حسك الحديد – مثل الشوك يكون من الحديد – حول
مدينة نهاوند ، فبعث النعمان عيوناً فساروا لايعلمون بالحسك ، فزجر
بعضهم فرسه فدخلت في يده حسكة ، فلم يبرح الفرس مكانه ، فنزل صاحبه
ونظر في يده فإذا في حافره حسكة ، فعاد وأخبر النعمان بالخبر ، فاستشار
جيشه فقال : ماترون؟ فقالوا : انتقل من منزلك هذا حتى يروا أنك هارب
منهم ، فيخرجوا في طلبك ، فانتقل النعمان من منزله ذلك ، وكنست
الأعاجم الحسك فخرجوا في طلبه ، فرجع النعمان ومن معه
عليهم ، وقد عبأ الكتائب ونظم جيشه وعدده ثلاثون ألفاً ، وجعل
علىمقدمة الجيش نعيم بن مقرن ،
وعلى المجنبتين : حذيفة بن اليمان وسويد بن مقرن ، وعلى المجردة القعقاع بن عمرو ،
وعلى الساقة مجاشع بن مسعود ، ونظم الفرس قواتهم تحت
إمرة (الفيرزان) ، وعلى مجنبتتيه (الزردق) و(بهمن جاذويه)
الذي ترك مكانه ل( ذي الحاجب ) .
أنشب النعمان القتال يوم الأربعاء ، ودام على شكل مناوشات
حادة إلى يوم الخميس ، والحرب سجال بين الفريقين ، وكان الفرس خلالها في خنادق .
وخشي المسلمون أن يطول الأمر فاستشار النعمان أصحابه ،
فتكلم قوم فردت آراؤهم ، ثم تكلم طليحة فقال :أرى أن تبعث
خيلاً مؤدبة ، فيحدقوا بهم ، ثم يرموا لينشبوا القتال ، ويحمشوهم – أي يغضبوهم – ،
فإذا أحمشوهم واختلطوا بهم وأرادوا
الخروج أرزوا – أي انضموا- إلينا استطراداً – أي خديعة - .. وأقر الجميع
هذا الرأي فأمر النعمان القعقاع أن ينشب القتال فأنشبه ، فخرج
الفرس من خنادقهم ، فلما خرجوا نكص القعقاع بجنده ، ثم نكص
ثم نكص ، وخرج الفرس جميعاً فلم يبق أحد إلا حرس الأبواب ،حتى
انضم القعقاع إلى الناس ، والنعمان والمسلمون علىتعبيتهم في يوم جمعة
في صدر النهار ، وأقبل الفرس على الناس يرمونهم حتى أفشوا فيه
الجراحات ، والمسلمون يطلبون من النعمان الإذن
بالقتال ، وبقي النعمان يطلب منهم الصبر .
فلما جاء الزوال وتفيأت الأفياء وهبت الرياح أمر بالقتال ، كل ذلك
إحياء لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يختار
هذا الوقت للقتال ، وعندئذ ركب فرسه وبدأ يحرض المسلمين
على القتال ، ثم قال : فإن قتلت فلأمير بعدي حذيفة ، وإن قتل فلان .. وعد سبعة .
وكبر النعمان التكبيرة الأولى ثم الثانية ، ثم قال : اللهم اعزز دينك
وانصر عبادك ، واجعل النعمان أول شهيد اليوم على إعزاز دينك
ونصر عبادك ، اللهم إني أسألك أن تقر عيني اليوم بفتح
يكون فيه عزالإسلام ، أمنوا رحمكم الله . فبكى الناس .
وكبر النعمان التكبيرة الثالثة ، وبدأ القتال ، وأثناء تقدم القائد بدأ
الفرس يتركون الساحة وزلق بالقائد فرسه من كثرة الدماء في أرض
المعركة ، فصرع بين سنابك الخيل ، وجاءه سهم في جنبه ، فرآه
أخوه نعيم فسجاه بثوب ، وأخذ الراية قبل أن تقع وناولها
حذيفة بن اليمان فأخذها ، وقال المغيرة : اكتموا مصاب
أميركم حتى ننتظر ما يصنع الله فينا وفيهم ؛ لئلا يهن الناس .
ولما زلق فرس النعمان به لمحه معقل بن يسار فجاءه
بقليل من الماء ، فغسل عن وجهه التراب ، فقال
النعمان : من أنت ؟ قال : أنا معقل بن يسار ، قال : ما فعل الناس ؟ قال :
فتح الله عليهم ، قال : الحمد لله ، اكتبوا بذلك إلى عمر ، وفاضت روحه .
ولما أظلم الليل انهزم الفرس وهربوا دون قصد فوقعوا في واد ،
فكان واحدهم يقع فيقع معه ستة ، فمات في هذه المعركة
مائة ألف أو يزيد ، قتل في الوادي فقط ثمانون ألفاً ،
وقتل ذو الحاجب ، وهرب الفيرزان ، وعلم بهربه القعقاع فتبعه هو
ونعيم بن مقرن فأدركاه في واد ضيق فيه قافلة كبيرة من بغال
وحمير محملة عسلاً ذاهبة إلى كسرى ، فلم يجد طريقاً فنزل
عن دابته وصعد في الجبل ليختفي ، فتبعه القعقاع راجلاً فقتله .
وحزن المسلمون على موت أميرهم وبايعوا بعد المعركة أميرهم
الجديد حذيفة ، ودخلوا نهاوند عام 21هـ بعد أن فتحوها.