-((((( HICMIS )))))-

الجمال النبوي وفقه الجمال Salamo10
مرحبا بك فى منتدى طلاب المعهد العالى للحاسبات
اذا كنت مسجل معنا فى المنتدى اضغط على دخول
وان كنت غير مسجل يسعدنا تسجيلك معنا بالضغط على التسجيل


مع تحيات
إدارة المنتدى


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

-((((( HICMIS )))))-

الجمال النبوي وفقه الجمال Salamo10
مرحبا بك فى منتدى طلاب المعهد العالى للحاسبات
اذا كنت مسجل معنا فى المنتدى اضغط على دخول
وان كنت غير مسجل يسعدنا تسجيلك معنا بالضغط على التسجيل


مع تحيات
إدارة المنتدى

-((((( HICMIS )))))-

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى طلاب وخريجى المعهد العالى للحاسبات ونظم المعلومات الإدارية - التجمع الأول


4 مشترك

    الجمال النبوي وفقه الجمال

    الماجيك
    الماجيك
    عضو مشارك
    عضو مشارك


    عدد المساهمات : 118
    رقم العضوية رقم العضوية : 186
    الفرقة الدراسية : الرابعة ان شاء الله
    العمل/الترفيه : net

    اعلان الجمال النبوي وفقه الجمال

    مُساهمة من طرف الماجيك الجمعة 02 أكتوبر 2009, 1:34 pm

    الجمال النبوي وفقه الجمال

    د. محمد عمر دولة
    إنّ بعض الناس يظنون (الجمال) من العلوم العصرية التي جهِلها السابقون، والحق أنّ البشرية لم تعْرِفْ توازُناً في فقهِ الجمالِ كما جاء في منهج الإسلامِ ونبيِّه مُحمد r؛ فقد تعمّق في سبْرِ أغْوارِ النفسِ؛ لِيرْبِط مكامِن زينتِها الباطِنة بِمحاسِنِ زينتِها الظاهِرة؛ حتى لا تكون الظواهر مُنوّهة والبواطن مُشوّهة!
    وبيّن r الفرق بين التكبُّر والازْدِراءِ المذمُوميْن،[1] وبين التزيُّنِ والتأنُّقِ المحموديْن؛ اللّذيْن يُكمِّلُ جمالُهما الظاهِرُ ما في أعماقِ النفسِ من الجمالِ الباطِن. وقد قرّر علماءُ الإسلام أنّ «الجمال الظاهر جزءٌ من الجمال الباطن، والألفة بين المتحابين ليست إلا للاشتراك في جمال الباطن».[2]
    *وفي عُنُقِ الحسناءِ يُسْتحْسنُ العِقْدُ*[3]
    إنّ الإسلام يُوازِنُ بين الظاهِرِ والباطِن؛ لاستِكْمالِ جمالِهما معا، ويُحقِّقُ التوافق بين الاعتقادِ والعمل، وبين السِّر والعلانية، وبين القولِ والفعل؛[4] وأما المنافقون فهم )على النّارِ يُفْتنُون([5] «يُعذّبُون بسبِبِ ما انطووْا عليه من خُبْثِ الباطنِ والظاهِر»؛[6] إذْ إنّهم «أظهروا الموافقة في الإيمانِ وهم كفرةٌ فجرةٌ في الباطِن».[7] ولذلك ذكروا العُرْي الباطن.[8]
    وهذا من تكامُلِ منهجِ الشريعة الإسلامية التي تُعْنى بالطهارةِ الباطِنة والظاهِرة للتوابِين والمتطهِّرين[9] وتُقرِّرُ «أنّ طهارة الظاهرِ بالماء والتراب تكميلٌ لطهارةِ الباطِنِ بالتوحيدِ والتوبةِ النّصُوح)![10] )إِنّ اللّه يُحِبُّ التّوّابِين ويُحِبُّ الْمُتطهِّرِين(.[11] «وإذا كان مأمُوراً بتِطهِيرِ الظاهِرِ؛ فإنّ طهارة الظاهِرِ مِن تمامِ طهارةِ الباطِن».[12]
    المطلب الأول: فقهُ الجمال
    ما أحسن قول النبِيِّ r: (إن الله جميلٌ يحب الجمال)؛ فقد روى مسلمٌ رحمه الله عنْ عبْدِ اللّهِ بْنِ مسْعُود عنْ النّبِيِّ r قال: (لا يدْخُلُ الْجنّة منْ كان فِي قلْبِهِ مِثْقالُ ذرّة مِنْ كِبْر قال رجُلٌ إِنّ الرّجُل يُحِبُّ أنْ يكُون ثوْبُهُ حسنًا ونعْلُهُ حسنةً قال: إِنّ اللّه جمِيلٌ يُحِبُّ الْجمال الْكِبْرُ بطرُ الْحقِّ وغمْطُ النّاسِ).[13] وفي مسند أحمد: (لا يدْخُلُ النّار منْ كان فِي قلْبِهِ مِثْقالُ حبّة مِنْ إِيمان ولا يدْخُلُ الْجنّة منْ كان فِي قلْبِهِ مِثْقالُ حبّة مِنْ كِبْر فقال رجُلٌ: يا رسُول اللّهِ إِنِّي ليُعْجِبُنِي أنْ يكُون ثوْبِي غسِيلا ورأْسِي دهِينًا وشِراكُ نعْلِي جدِيدًا وذكر أشْياء حتّى ذكر عِلاقة سوْطِهِ أفمِنْ الْكِبْرِ ذاك يا رسُول اللّهِ؟ قال: لا؛ ذاك الْجمالُ؛ إِنّ اللّه جمِيلٌ يُحِبُّ الْجمال ولكِنّ الْكِبْر منْ سفِه الْحقّ وازْدرى النّاس).[14]
    فقد علّم r صحْبه الكرام رضوانُ الله عليهم أن يكونوا على أحْسنِ حال وأجمل صُورة وأكملِ زِينةِ باطِنة وظاهِرة، وبيّن r أنّ الكِبْر ينْخرُ القلب قبل أن يظْهر على الثّوْب! فقد روى عبدُ اللّهِ بن مسعود عنْ النّبِيِّ r قال: (لا يدْخُلُ الْجنّة منْ كان فِي قلْبِهِ مِثْقالُ ذرّة مِنْ كِبْر قال رجُلٌ: إِنّ الرّجُل يُحِبُّ أنْ يكُون ثوْبُهُ حسنًا ونعْلُهُ حسنةً! قال: إِنّ اللّه جمِيلٌ يُحِبُّ الْجمال، الْكِبْرُ بطرُ الْحقِّ وغمْطُ النّاس).[15] قال ابنُ رجب رحمه الله: «لم يزلْ علماءُ السلفِ يلبسون الثياب الحسنة، ولا يعُدُّون ذلك كِبْراً».[16] وقال ابنُ حجر رحمه الله: «إنّ منْ قصد بِالْملْبُوسِ الْحسن إِظْهار نِعْمة اللّه عليْهِ مُسْتحْضِرًا لها شاكِرًا عليْها غيْر مُحْتقِر لِمنْ ليْس لهُ مِثْله، لا يضُرّهُ ما لبِس مِنْ الْمُباحات، ولوْ كان فِي غاية النّفاسة».[17]
    وقد أمر النبِيُّ r المسلم أن يتجمّل ويتزيّن أحْسن زينة ويلبس يوم الجمعة ثوباً غير ثوْبِ مِهْنتِه! وأمره أن يتطيّب (ولو من طِيبِ امرأتِه!) كما روى مسلمٌ رحمه الله في باب (الطِّيبِ والسِّواكِ يوْم الْجُمُعةِ) عن أبي سعِيد الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أنّ رسُول اللّهِ r قال: (غُسْلُ يوْمِ الْجُمُعةِ على كُلِّ مُحْتلِم وسِواكٌ ويمسُّ مِنْ الطِّيبِ ما قدر عليْهِ ولوْ مِنْ طِيبِ الْمرْأةِ).[18] وروى البخاري في باب (الطِّيبِ لِلْجُمُعةِ) عن عمْرُو بْنُ سُليْم الْأنْصارِيُّ قال: أشْهدُ على أبِي سعِيد قال: (أشْهدُ على رسُولِ اللّهِ r قال الْغُسْلُ يوْم الْجُمُعةِ واجِبٌ على كُلِّ مُحْتلِم وأنْ يسْتنّ وأنْ يمسّ طِيبًا إِنْ وجد).[19]
    وقد كان يُعْجِبُه جمالُ الخضابِ أن يُكْسى به بياضُ الشّيبِ، وأمر بذلك أبا قحافة في يومِ الفتح، كما روى النسائي عنْ جابِر رضي الله عنه قال: (أُتِي النّبِيُّ r بِأبِي قُحافة ورأْسُهُ ولِحْيتُهُ كأنّهُ ثغامةٌ فقال النّبِيُّ r: غيِّرُوا أوْ اخْضِبُوا).[20] و«(ثغامة) بِمُثلّثة مفْتُوحة وغيْن مُعْجمة ثمر أبْيض لِنوْع مِنْ النّبات».[21] وقد بيّن ابنُ ماجه في روايته أن ذلك كان يوم الفتح، (جِيء بِأبِي قُحافة يوْم الْفتْحِ إِلى النّبِيِّ r وكأنّ رأْسهُ ثغامةٌ فقال رسُولُ اللّهِ r: اذْهبُوا بِهِ إِلى بعْضِ نِسائِهِ فلْتُغيِّرْهُ وجنِّبُوهُ السّواد).[22] ورواه أحمد بأتمّ من ذلك، قال: (فلمّا دخل رسُولُ اللّهِ r مكّة ودخل الْمسْجِد أتاهُ أبُو بكْر بِأبِيهِ يعُودُهُ فلمّا رآهُ رسُولُ اللّهِ r قال هلا تركْت الشّيْخ فِي بيْتِهِ حتّى أكُون أنا آتِيهِ فِيهِ قال أبُو بكْر: يا رسُول اللّهِ هُو أحقُّ أنْ يمْشِي إِليْك مِنْ أنْ تمْشِي أنْت إِليْهِ قال: فأجْلسهُ بيْن يديْهِ ثُمّ مسح صدْرهُ ثُمّ قال لهُ أسْلِمْ فأسْلم ودخل بِهِ أبُو بكْر رضِي اللّهُ عنْهُ على رسُولِ اللّهِ r ورأْسُهُ كأنّهُ ثغامةٌ فقال رسُولُ اللّهِ r: غيِّرُوا هذا مِنْ شعْرِهِ).[23]
    ولكنّ النبيّ r علّم الصحابة والأمة أنْ يُفرِّقوا بين معنى الجمال، وبين الإسراف والتكبُّر؛ فأمرهم بالتوازن في حب الجمال حتى لا يُسْرِفُوا ولا يختالوا؛ فيفقد الجمال معناه ويتحوّل إلى قُبح. فقد روى البخاري في مطلع كِتاب (اللِّباسِ) (باب قوْلِ اللّهِ تعالى: )قُلْ منْ حرّم زِينة اللّهِ الّتِي أخْرج لِعِبادِهِ( وقال النّبِيُّ r: (كُلُوا واشْربُوا والْبسُوا وتصدّقُوا فِي غيْرِ إِسْراف ولا مخِيلة)،[24] وقال ابْنُ عبّاس: كُلْ ما شِئْت والْبسْ ما شِئْت ما أخْطأتْك اثْنتانِ سرفٌ أوْ مخِيلةٌ)).[25]
    قال ابنُ حجر رحِمه الله: «الإِسْراف مُجاوزة الْحدّ فِي كُلّ فِعْل أوْ قوْل، وهُو فِي الإِنْفاق أشْهر، وقدْ قال اللّه تعالى: )قُلْ يا عِبادِي الّذِين أسْرفُوا على أنْفُسهمْ( وقال تعالى: )فلا يُسْرِف فِي الْقتْل( والْمخِيلة بِوزْنِ عظِيمة وهِي بِمعْنى الْخُيلاء وهُو التّكبُّر... وقال الرّاغِب: الْخُيلاء التّكبُّر ينْشأ عنْ فضِيلة يتراءاها الإِنْسان مِنْ نفْسه، ووجْه الْحصْر فِي الْإِسْراف والْمخِيلة أنّ الْممْنُوع مِنْ تناوُله أكْلا ولُبْسًا وغيْرهما إِمّا لِمعْنًى فِيهِ وهُو مُجاوزة الْحدّ وهُو الإِسْراف. وإِمّا لِلتّعبُّدِ كالْحرِيرِ إِنْ لمْ تثْبُت عِلّة النّهْي عنْهُ وهُو الرّاجِح، ومُجاوزة الْحدّ تتناول مُخالفة ما ورد بِهِ الشّرْع فيدْخُل الْحرام، وقدْ يسْتلْزِم الْإِسْراف الْكِبْر وهُو الْمخِيلة قال الْمُوفّق عبْد اللّطِيف الْبغْدادِيّ: هذا الْحدِيث جامِع لِفضائِل تدْبِير الإِنسان نفْسه، وفِيهِ تدْبِير مصالِح النّفْس والْجسد فِي الدُّنْيا والآخِرة؛ فإِنّ السّرف فِي كُلّ شيْء يضُرّ بِالْجسدِ ويضُرّ بِالْمعِيشةِ فيُؤدِّي إِلى الإِتْلاف ويضُرّ بِالنّفْسِ إِذْ كانتْ تابِعة لِلْجسدِ فِي أكْثر الأحْوال، والْمخِيلة تضُرّ بِالنّفْسِ حيْثُ تُكْسِبها الْعُجْب وتضُرّ بِالآخِرةِ حيْثُ تُكْسِب الإِثْم، وبِالدُّنْيا حيْثُ تُكْسِب الْمقْت مِنْ النّاس» [26].
    وأما قوْلُ ابنِ عبّاس: (كُلْ ما شِئْت واشْربْ ما شِئْت ما أخْطأتْك اِثْنتانِ: سرف أوْ مخِيلة) فمعناه تناولْ ما شِئْت مِنْ الْمُباحات ما دامتْ كُلّ خصْلة مِنْ هاتيْنِ تُجاوِزك».[27]
    قال الطبري رحمه الله: «من أحبّ ذلك لِيتعظّم به مِن سِواه مِن الناس مِمّنْ ليس له مثلُه؛ فاختال به عليهم واستكبر؛ فهو داخلٌ في عِدةِ المُستكبِرِين في الأرض بغير الحق، ولحِقته صِفةُ أهلِه، وإنْ أحبّ ذلك سُرُورًا لِجوْدتِه وحُسْنِه، غير مُريد به الاختِيالُ والتكبُّر؛ فإنه بعيدُ المعنى ممن عناه الله تعالى بقوله: )لا يريدون عُلُواًّ في الأرضِ ولا فسادا(».[28] وقال ابن بطال رحمه الله: «في قول ابن عباس أنه مباح للرجل اللباس من الحسنِ والجمال فى جميع أموره إذا سلم قلبه من التكبُّرِ به على من ليس له مثل ذلك من اللباس».[29]
    وكان r يُحدِّثُ عن جمالِ الأنبياءِ عليهم السلام ظاهراً وباطِناً، فيبيِّن جمال إبراهيم الخليل عليه السلام، وأنه (أحسن الرجال) كما ورد في حديث المعراج (فإِذا أنا بِإِبْراهِيم خلِيل الرّحْمن مُسْنِدًا ظهْره إِلى الْبيْت الْمعْمُور كأحْسن الرِّجال).[30]
    ويذكرr جمال موسى عليه السلام ومحاسِن حيائه وعفافِه في قصةِ الحجر المشهورة. فقد روى البخاري ومسلم رحمهما الله عنْ أبِي هُريْرة رضِي اللّهُ عنْهُ قال: قال رسُولُ اللّهِ r: (إِنّ مُوسى كان رجُلا حيِيًّا سِتِّيرًا لا يُرى مِنْ جِلْدِهِ شيْءٌ اسْتِحْياءً مِنْهُ؛ فآذاهُ منْ آذاهُ مِنْ بنِي إِسْرائِيل فقالُوا: ما يسْتتِرُ هذا التّستُّر إِلّا مِنْ عيْب بِجِلْدِهِ: إِمّا برصٌ وإِمّا أُدْرةٌ وإِمّا آفةٌ! وإِنّ اللّه أراد أنْ يُبرِّئهُ مِمّا قالُوا لِمُوسى. فخلا يوْمًا وحْدهُ فوضع ثِيابهُ على الْحجرِ ثُمّ اغْتسل، فلمّا فرغ أقْبل إِلى ثِيابِهِ لِيأْخُذها، وإِنّ الْحجر عدا بِثوْبِهِ؛ فأخذ مُوسى عصاهُ وطلب الْحجر فجعل يقُولُ: ثوْبِي حجر! ثوْبِي حجر! حتّى انْتهى إِلى ملإ مِنْ بنِي إِسْرائِيل فرأوْهُ عُرْيانًا أحْسن ما خلق اللّهُ وأبْرأهُ مِمّا يقُولُون. وقام الْحجرُ فأخذ ثوْبهُ فلبِسهُ، وطفِق بِالْحجرِ ضرْبًا بِعصاهُ؛ فواللّهِ إِنّ بِالْحجرِ لندبًا مِنْ أثرِ ضرْبِهِ ثلاثًا أوْ أرْبعًا أوْ خمْسًا؛ فذلِك قوْلُهُ: )يا أيُّها الّذِين آمنُوا لا تكُونُوا كالّذِين آذوْا مُوسى فبرّأهُ اللّهُ مِمّا قالُوا وكان عِنْد اللّهِ وجِيهًا().[31] وفي مسلم بلفظ: (كانتْ بنُو إِسْرائِيل يغْتسِلُون عُراةً ينْظُرُ بعْضُهُمْ إِلى سوْأةِ بعْض، وكان مُوسى عليْهِ السّلام يغْتسِلُ وحْدهُ، فقالُوا: واللّهِ ما يمْنعُ مُوسى أنْ يغْتسِل معنا إِلا أنّهُ آدرُ! قال فذهب مرّةً يغْتسِلُ، فوضع ثوْبهُ على حجر؛ ففرّ الْحجرُ بِثوْبِهِ قال: فجمح مُوسى بِإِثْرِهِ يقُولُ: ثوْبِي حجرُ! ثوْبِي حجرُ! حتّى نظرتْ بنُو إِسْرائِيل إِلى سوْأةِ مُوسى قالُوا: واللّهِ ما بِمُوسى مِنْ بأْس؛ فقام الْحجرُ حتّى نُظِر إِليْهِ قال: فأخذ ثوْبهُ فطفِق بِالْحجرِ ضرْبًا، قال أبُو هُريْرة: واللّهِ إِنّهُ بِالْحجرِ ندبٌ: سِتّةٌ أوْ سبْعةٌ ضرْبُ مُوسى بِالْحجرِ).[32] قال النووي رحمه الله: «ومِنْها: ما قالهُ الْقاضِي وغيْره أنّ الأنْبِياء صلوات اللّه وسلامه عليْهِمْ مُنزّهُون عنْ النّقائِص فِي الْخلْق والْخُلُق، سالِمُون مِنْ الْعاهات والْمعايِب، قالُوا: ولا اِلْتِفات إِلى ما قالهُ منْ لا تحْقِيق لهُ مِنْ أهْل التّارِيخ فِي إِضافة بعْض الْعاهات إِلى بعْضهمْ، بلْ نزّههُمْ اللّه تعالى مِنْ كُلّ عيْب، وكُلّ شيْء يُبغِّضُ الْعُيُون، أوْ يُنفِّرُ الْقُلُوب».[33] وقال ابنُ حجر رحمه الله: «فِيهِ أنّ الأنبِياء فِي خلْقِهِمْ وخُلُقِهِمْ على غايةِ الْكمالِ، وأنّ منْ نسب نبِيًّا مِنْ الأنْبِياءِ إِلى نقْص فِي خِلْقتِهِ فقدْ آذاهُ ويُخْشى على فاعِلِهِ الْكُفْرُ».[34]
    وأثنى r على صبْرِ موسى عليه السلام: وهو جمالٌ باطِنٌ، كما روى البخاري عن ابنِ مسعود رضِي اللّهُ عنْهُ قال: (قسم النّبِيُّ r قسْمًا فقال رجُلٌ: إِنّ هذِهِ لقِسْمةٌ ما أُرِيد بِها وجْهُ اللّهِ فأتيْتُ النّبِيّ r فأخْبرْتُهُ فغضِب؛ حتّى رأيْتُ الْغضب فِي وجْهِهِ، ثُمّ قال: يرْحمُ اللّه مُوسى قدْ أُوذِي بِأكْثر مِنْ هذا فصبر)![35]
    ويقرر أنّ يوسف عليه السلام قد (أوتي شطر الحسن)؛ فمن ذا ذي أوتي الحسن البشري كله سوى رسول اللهr؟! قال السعدي رحمه الله: «)فلمّا سمِعتْ بِمكْرِهِنّ أرْسلتْ إِليْهِنّ( تدعوهن إلى منزلها للضيافة )وأعْتدتْ لهُنّ مُتّكأً( أي: محلا مهيأ بأنواع الفرش والوسائد، وما يقصد بذلك من المآكل اللذيذة، وكان في جملة ما أتت به وأحضرته في تلك الضيافة، طعام يحتاج إلى سكين: إما أترج أو غيره )وآتتْ كُلّ واحِدة مِنْهُنّ سِكِّينًا( ليقطعن فيها ذلك الطعام )وقالتِ( ليوسف: )اخْرُجْ عليْهِنّ( في حالة جماله وبهائه. )فلمّا رأيْنهُ أكْبرْنهُ( أي: أعظمنه في صدورهن، ورأين منظرا فائقا لم يشاهدن مثله، )وقطّعْن( من الدهش )أيْدِيهُنّ( بتلك السكاكين اللاتي معهن، )وقُلْن حاش لِلّهِ( أي: تنزيها لله )ما هذا بشرًا إِنْ هذا إِلا ملكٌ كرِيمٌ( وذلك أن يوسف أعطي من الجمال الفائق والنور والبهاء، ما كان به آية للناظرين، وعبرة للمتأملين. فلما تقرر عندهن جمال يوسف الظاهر، وأعجبهن غاية، وظهر منهن من العذر لامرأة العزيز، شيء كثير أرادت أن تريهن جماله الباطن بالعفة التامة».[36]
    قال ابنُ كثير رحِمه الله: )فلمّا رأيْنهُ أكْبرْنهُ( أي: أعظمن شأنه وأجللن قدره؛ وجعلن يقطعن أيديهن دهشا برؤيته، وهن يظنن أنهن يقطعن الأترج بالسكاكين، والمراد: أنهن حززن أيديهن بها، قاله غير واحد. وعن مجاهد، وقتادة: قطعن أيديهن حتى ألقينها. وقد ذكر عن زيد بن أسلم أنها قالت لهن بعدما أكلن وطابت أنفسهن، ثم وضعت بين أيديهن أترجا وآتت كل واحدة منهن سكينا: هل لكن في النظر إلى يوسف؟ قلن: نعم. فبعثت إليه تأمره أن اخرج إليهن فلما رأينه جعلن يقطعن أيديهن، ثم أمرته أن يرجع فرجع ليرينه مقبلا ومدبرا وهن يحززن في أيديهن؛ فلما أحسسن بالألم جعلن يولولن فقالت: أنتن من نظرة واحدة فعلتن هكذا، فكيف ألام أنا؟ فقلن: حاش لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم، ثم قلن لها: وما نرى عليك من لوم بعد الذي رأينا، لأنهن لم يرين في البشر شبهه ولا قريبا منه، فإنه، r كان قد أعطي شطر الحسن، كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح في حديث الإسراء: أن رسول الله r مرّ بيوسف عليه السلام في السماء الثالثة، قال: "فإذا هو قد أعطي شطر الحسن" وقال حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس قال: قال رسول الله r: (أُعْطِي يوسف وأمه شطر الحسن... فلهذا قال هؤلاء النسوة عند رؤيته: )حاش لِلّهِ( قال مجاهد وغير واحد: معاذ الله، )ما هذا بشرًا إِنْ هذا إِلا ملكٌ كرِيمٌ قالتْ فذلِكُنّ الّذِي لُمْتُنّنِي فِيهِ( تقول هذا مُعتذِرةً إليهن بأنّ هذا حقيقٌ بأن يُحبّ لِجمالِه وكمالِه )ولقدْ راودْتُهُ عنْ نفْسِهِ فاسْتعْصم( أي: فامتنع. قال بعضهم: لما رأين جماله الظاهِر أخبرتْهن بصفاته الحسنة التي تخفى عنهن: وهي العفة مع هذا الجمال».[37]
    وهذه الآيات الخالدة تؤكِّدُ جمال يوسف عليه السلام خلْقاً وخُلُقا، «وما عليه يوسف من الجمال الظاهر والباطن؛ فإن جماله الظاهر أوجب للمرأة التي هو في بيتها ما أوجب وللنساء اللاتي جمعتهن حين لمنها على ذلك أن قطعن أيديهن وقلن )ما هذا بشرًا إِنْ هذا إِلا ملكٌ كرِيمٌ( وأما جماله الباطن فهو العفة العظيمة عن المعصية مع وجود الدواعي الكثيرة لوقوعها، وشهادة امرأة العزيز والنسوة بعد ذلك ببراءته، ولهذا قالت امرأة العزيز: )ولقدْ راودْتُهُ عنْ نفْسِهِ فاسْتعْصم( وقالت بعد ذلك: )الآن حصْحص الْحقُّ أنا راودْتُهُ عنْ نفْسِهِ وإِنّهُ لمِن الصّادِقِين( وقالت النسوة: )حاش لِلّهِ ما علِمْنا عليْهِ مِنْ سُوء(».[38]
    ولله درُّ ابن المنير والزركشي ما أحسن قولهما في حديث (أعطي يوسف شطر الحسن):[39] «المراد أنه أعطي شطر الحسن الذي أوتيه نبينا؛ فإنه بلغ النهاية ويوسف بلغ شطرها».[40] قال ابنُ حجر: «(فإِذا هُو قدْ أُعْطِي شطْر الْحُسْن) وفِي حدِيث أبِي سعِيد عِنْد الْبيْهقِيِّ وأبِي هُريْرة عِنْد اِبْن عائِذ والطّبرانِيِّ (فإِذا أنا بِرجُل أحْسن ما خلق اللّه، قدْ فضل النّاس بِالْحُسْنِ كالْقمرِ ليْلة الْبدْر على سائِر الْكواكِب)؛ وهذا ظاهِره أنّ يُوسُف عليْهِ السّلام كان أحْسن مِنْ جمِيع النّاس، لكِنْ روى التِّرْمِذِيّ مِنْ حدِيث أنس: (ما بعث اللّه نبِيًّا إِلا حسن الْوجْه حسن الصّوْت؛ وكان نبِيّكُمْ أحْسنهمْ وجْهًا وأحْسنهمْ صوْتًا)؛ فعلى هذا فيُحْمل حدِيث الْمِعْراج على أنّ الْمُراد غيْر النّبِيّ r، ويُؤيِّدهُ قوْل منْ قال: إِنّ الْمُتكلِّم لا يدْخُل فِي عُمُوم خِطابه، وأمّا حدِيث الْباب فقدْ حملهُ اِبْن الْمُنِير على أنّ الْمُراد أنّ يُوسُف أُعْطِي شطْر الْحُسْن الّذِي أُوتِيهِ نبِيّنا r، واللّهُ أعْلمُ».[41]
    وإذا استحضرنا ما ذكره النبي r أنه أشبهُ الأنبياء بأبيه إبراهيم الخليل عليه السلام، وما وصف به النبِيُّ r أباه إبراهيم من الجمالِ الباهِرِ وأنه أحْسنُ الرِّجال، كما جاء هذا الوصفُ في حديث المعراج (فإِذا أنا بِإِبْراهِيم خلِيل الرّحْمن مُسْنِدًا ظهْره إِلى الْبيْت الْمعْمُور كأحْسن الرِّجال)[42] تبيّن لنا أنّ النبِيّ r أجملُ الناسِ ظاهراً وباطِناً خلْقاً وخُلُقاً r. ولكنه لكمالِ تواضُعِه r لا يُحِبُّ تفضيل نفسِه على غيرِه وهو القائل: (لا تفضِّلوني على يونس بن متى!) بل إنه لما بيّنr مرتبته عند ربِّه نفىr الفخر؛ فقالr: (أنا سيد ولد آدم ولا فخر)! وهذه الإشارةُ إلى جمالِ أبيه إبراهيم عليه السلام وشبهِه بأبيه وهو (أحْسنُ الرِّجال) تكفي اللبيب! مع قوله في يوسف عليه السلام: إنه أوتي شطر الحسن! والشطر يُطلقُ على النِّصف وعلى الجزء.
    وهذا دأبُهr في التواضُعِ [43]والأدبِ مع إخوانه الأنبياء عليهم السلام كما ثبت في الصحيح من حديثِ أبِي هُريْرة أنّ رسُول اللّهِ r قال: (نحْنُ أحقُّ بِالشّكِّ مِنْ إِبْراهِيم r إِذْ قال: )ربِّ أرِنِي كيْف تُحْيِي الْموْتى قال أو لمْ تُؤْمِنْ قال بلى ولكِنْ لِيطْمئِنّ قلْبِي( قال ويرْحمُ اللّهُ لُوطًا لقدْ كان يأْوِي إِلى رُكْن شدِيد ولوْ لبِثْتُ فِي السِّجْنِ طُول لبْثِ يُوسُف لأجبْتُ الدّاعِي). قال النووي رحمه الله: «قوْله r: (نحْنُ أحقّ بِالشّكِّ مِنْ إِبْراهِيم r إِذْ قال: ربِّ أرِنِي كيْف تُحْيِي الْموْتى قال أولمْ تُؤْمِن قال بلى ولكِنْ لِيطْمئِنّ قلْبِي) اخْتلف الْعُلماء فِي معْنى نحْنُ أحقّ بِالشّكِّ مِنْ إِبْراهِيم على أقْوال كثِيرة أحْسنها وأصحّها ما قالهُ الْإِمام أبُو إِبْراهِيم الْمُزنِيُّ صاحِب الشّافِعِيّ وجماعات مِنْ الْعُلماء: معْناهُ أنّ الشّكّ مُسْتحِيل فِي حقّ إِبْراهِيم فإِنّ الشّكّ فِي إِحْياء الْموْتى لوْ كان مُتطرِّقًا إِلى الْأنْبِياء لكُنْت أنا أحقّ بِهِ مِنْ إِبْراهِيم وقدْ علِمْتُمْ أنِّي لمْ أشُكّ فاعْلمُوا أنّ إِبْراهِيم عليْهِ السّلام لمْ يشُكّ، وإِنّما خُصّ إِبْراهِيم r لِكوْنِ الآية قدْ يسْبِق إِلى بعْض الأذْهان الْفاسِدة مِنْها اِحْتِمال الشّكِّ وإِنّما رجع إِبْراهِيم على نفْسه r تواضُعًا وأدبًا!».[44]
    وهذا مدخلٌ مُناسِبٌ للحديثِ عن الجمالِ النبوي مِن خلالِ وصْفِ أُمِّ معْبد الخزاعِية.
    المطلب الثاني: الملامِحُ الجمالية في وصفِ أُمِّ معبد الخُزاعِية
    فقد حاز النبيُّ r جوامِع الجمال والكمال الإنساني؛ فقد وُلِد r في أجملِ مكان وزمان، في مكة المكرّمة، وقد قال r: (بُعِثتُ من خيرِ قُرونِ بني آدم قرناً فقرناً حتى كنتُ من القرن الذي كنتُ فيه)،[45] وله r أجمل الأسماء (محمد) و(أحمد)؛ فلا يُدرِكُه شتْم الشاتِمِين، كما قال r: (ألا تعجبون كيف يصْرِفُ اللّهُ عنِّي شتْم قُريْش ولعْنهُمْ يشْتِمُون مُذمّمًا ويلْعنُون مُذمّمًا وأنا مُحمّدٌ).[46] وقلما أبصرتْ عيناك ذا لقب إلا ومعناه إنْ فتّشْت في لقبِهْ![47]
    وهو r أجملُ الناسِ وجهاً وقواماً، كما في حديث البراء رضي الله عنه: (كان r أحسن الناس وجها، وأحسنه خلْقاً، ليس بالطويل البائن ولا بالقصير)،[48] وقال أنس يصِفُ النبِيّ r: (كان ربْعةً من القوم ليس بالطويل ولا بالقصير).[49] سئل البراء: أكان وجه النبي r مثل السيف؟ قال: لا بل مثل القمر![50] وقال كعب بن مالك: (سلّمتُ على رسولِ الله r وهو يبرُقُ وجهُه من السرور)،[51] و(كان رسول الله r إذا سُرّ استنار وجهُه حتى كأنه قطعة قمر).[52] وقد قال أبو كبير: وإذا نظرت إلى أسِرّةِ وجهِه برقتْ كبرقِ العارِضِ المتهلِّلِ[53]
    وكان r أجمل الناسِ أطرافاً، كما روى أبو جحيفة رضي الله عنه قال: (وضعتُ يده على وجهي فإذا هي أبردُ من الثلج وأطيب من المسك)[54] وقال أنس رضي الله عنه: (ما مسستُ حريراً ولا ديباجاً ألْين من كفِّ النبِيِّ r وما شممتُ ريحاً قط أو عرفاً أطيب من ريح النبي r)[55]
    وهو r أجملُ الناسِ لوناً وشعراً، كما وصفه أنس رضي الله عنه بأنه (أزهر اللون ليس بأبيض أمهق ولا آدم ليس بجعد قطط، ولا سبط رجِل)[56] وقال ربيعة: (رأيتُ شعرا من شعرِه، فإذا هو أحمر فسألتُ، فقيل: احمرّ من الطِّيب).[57]
    وكان الحسن بن علي رضي الله عنهما يُشبّهُ لِجمالِه بِجدِّه r، كما روى أبو جُحيْفة رضي الله عنه قال: (رأيتُ النبيّ r وكان الحسن يُشْبِهُه)،[58] وفي حديث عقبة بن الحارث (حمل أبو بكر الحسن على عاتقِه، وقال: بأبي شبِيهٌ بالنبِيِّ[59] لا شبيهٌ بعلِيّ).[60] وهو r مع جمالِ الْخلْقِ كان أجمل الناس أخلاقاً r، كما قال عبد الله بن عمرو: (لم يكن النبي r فاحشا ولا متفحشا وكان يقول: إن من خياركم أحسنكم أخلاقا).[61]
    وقد فطر الله الخلق على التعلُّقِ بِمن حباهُ اللهُ عزّ وجلّ بِجمالِ الْخلْقِ وحُسْنِ الْخُلُقِ؛ ذلك أنّ جمال الْخلْقِ تكميلٌ لِمحاسِنِ الْخُلُق، كما قيل:
    أُكْمِلْت خُلْقاً وخلْقاً مِثلهُ حسناً والْخلْقُ لِلخُلْقِ تتْمِيمٌ وتكْمِيلُ!
    وقال ابنُ عبدِ ربه الأندلسي:
    تجافى النّومُ بعْدك عنْ جُفُونِي ولكِنْ ليس يجفُوها الدُّموعُ
    يُذكِّرُني تبسُّمُك الأقاحي ويحكي لي تورُّدك الرّبيعُ
    يطيرُ إليك مِن شوْق فُؤادِي ولكنْ ليس تترُكُهُ الضُّلوعُ
    فما لِي عن تذكُّرِك امْتِناعٌ ودُون لِقائك الحِصْنُ المنيعُ
    وقد ذكر القاضي عياض رحمه الله اختلاف الناسِ في تفسير محبّة النبي r الذي زاده الله بسْطةً في كمالِ العِلم وجمالِ الجسم، فقال: «حقيقةُ المحبة: الميلُ إلى ما يُوافِقُ الإنسان، وتكون مُوافقتُه له: إما لاستِلذاذِه بإدراكِه: كحُبِّ الصُّورِ الجميلةِ والأصواتِ الحسنةِ والأطعمةِ والأشربةِ اللّذيذة وأشباهها مما كلّ طبع سليم مائلٌ إليها؛ لموافقته له، أو لاستلذاذِه بإدراكِه بِحاسّة عقلِه وقلبِه معاني باطِنةً شريفة: كمحبة الصالحين والعلماء وأهلِ المعروف والمأثور عنهم السِّير الجميلة والأفعال الحسنة؛ فإنّ طبع الإنسانِ مائلٌ إلى الشغفِ بأمثالِ هؤلاء...أو يكون حبُّه إياه لِمُوافقته له من جهة إحسانِه له وإنعامِه عليه؛ فقد جُبِلت النفوسُ على حُبِّ من أحسن إليها؛ فإذا تقرّر هذا نظرت هذه الأسباب كلّها في حقه r؛ فعلمت أنه r جامعٌ لهذه المعاني الثلاثة الموجبة للمحبّة».[62]
    ومِن الأحاديثِ الجامِعة لِصِفاتِ الجمالِ النبوي وصفُ أمِّ معبد للنبِيِّ r حين مرّ بخيمتِها عند الهجرة. قال ابنُ حجر رحمه الله: «أمُّ معبد الخزاعية صاحبةُ القصةِ في الهجرةِ اسْمُها عاتكة بنتُ خالد».[63] وحديثُ أمِّ معْبد وإنْ كان في كثير مِن أسانيدِه ضعفٌ ولِينٌ،[64] إلا أنه يرتقي بكثرةِ طُرُقِه إلى الحسنِ لغيره، كما قال ابنُ كثير رحِمه الله: «وقِصّتُها مشهُورةٌ مرْويّةٌ مِن طُرُق يشُدُّ بعضُها بعضاً».[65] وقال ابنُ حجر رحمه الله: «وفي حديثِ أمِّ معْبد المشهُور: (وفي لِحْيتِه كثافة)».[66] وقد اعْتمده ابنُ القيِّم رحِمه الله في (زاد المعادِ مِن هديِ خيرِ المعاد).[67]
    فقد وصفتْ أمُّ معْبد الخزاعية رسول الله r حين مرّ بِخيمتِها مُهاجِراً‏‏ فقالت: (ظاهِرُ الوضاءة، أبْلجُ الوجه، حسنُ الْخلْق، لم تعِبْه ثُجْلة، ولم تُزْرِ به صعْلة، وسِيمٌ قسِيمٌ، في عينيه دعجٌ، وفي أشفارِه وطف، وفي صوتِه صحل، وفي عُنقِه سطع، أحْور، أكْحل، أزجُّ، أقْرن، شديدُ سوادِ الشعر، إذا صمت علاه الوقار، وإنْ تكلّم علاهُ البهاء، أجملُ الناسِ وأبْهاهم من بعيد، وأحسنُه وأحلاهُ مِن قريب، حُلوُ المنطِقِ، فصْلٌ لا نزْر ولا هذر، كأنّ منطِقه خرزاتُ نظم يتحدّرْن، ربْعة، لا تقْتحِمُه عينٌ من قِصر، ولا تشنؤه مِن طُول، غُصْنٌ بين غُصْنيْن، فهو أنْضرُ الثلاثةِ منظراً، وأحْسنُهم قدْرًا، له رُفقاءُ يحُفُّون به، إذا قال استمعوا لقولِه، وإذا أمر تبادرُوا إلى أمرِه، محْفُودٌ محْشُودٌ، لا عابِسٌ ولا مُفْنِد)‏.‏
    فقد بدأتْ أُمُّ معبد بأوّلِ ما يشُدُّ العين: وهو ما يتعلق بِجمالِ الْمظهرِ العام: فقد وصفتْ النبِيّ r بأنه (ظاهِرُ الوضاءة)، والوضاءةُ: الْحُسْنُ: أي إنه باهِرُ الجمال، و(حسنُ الْخلْق) أي جميلُ المنظر.
    وتوسّطتْ أمُّ معبد هذين الوصفيْن الكريمين لِحُسنِ الْمظهر النبوي: (ظاهِرُ الوضاءة)، و(حسنُ الْخلْق) بذِكرِ جمالِ وجهِه الشريف، فقالت: إنه (أبْلجُ الوجه)r؛ وذلك لأنّ الوجه مجْمعُ المحاسِن. كيف وقد اجتمع في وجهِه الشريفِ إشراقُ الجمالِ وأنوارُ النُبُوّة! وذكرتْ أنه r (أبْلجُ الوجه)، وهو وصْفٌ لإشراقِ الوجه: قال ابنُ منظور رحمه الله: «الأبْلجُ: الأبيضُ الحسنُ الواسِعُ الوجهِ... وفي حديث أُمِّ معبد في صفةِ النبِيِّ r (أبلج الوجه) أي: مُسْفِرُه مُشْرِقُه، ولم تُرِدْ بلج الحاجِب؛ لأنها تصِفُه بالقرن؛ والأبلجُ الذي قد وضح ما بين حاجِبيه؛ فلم يقترِنا».[69] فصلّى الله وسلّم وبارك عليه:
    وأبيضُ يُستسْقى الغمامُ بِوجْهِهِ ثِمالُ اليتامى عِصمةٌ للأرامِلِ![70]
    ورحِم الله ابن عمر رضي الله عنهما؛ فقد روى البخاريُّ رحمه الله في كتاب (الاستسقاء) أنه قال: «رُبّما ذكرتُ قول الشاعر وأنا أنظرُ إلى وجهِ النبِيِّr يستسقي؛ فما ينزلُ حتى يجِيش كلُّ مِيزاب:
    وأبيض يُسْتسقى الغمامُ بوجهِهِ ثِمال اليتامى عِصْمة للأراملِ!»[71]
    وزادت أمُّ معْبد كذلك أنه r (وسِيمٌ قسِيمٌ) أي: حسنٌ جمِيلٌ يملأ العينيْن ويملِك الناظِريْن r. قال ابنُ الأثير رحمه الله: «وفي حديثِ أُمِّ معْبد: (قسِيمٌ وسِيمٌ) القسامةُ: الْحُسْنُ، ورجلٌ مُقسِم الوجه: أي جميل كله؛ كأنّ كلّ موضع منه أخذ قِسماً من الجمال، ويقال لِحُرِّ الوجه: قِسْمةٌ بكسرِ السين، وجمعها قسمات».[72]
    ثم أخذتْ أمُّ معْبد بِذوقِها الرفيعِ في تفصِيلِ هذا المظهرِ الوسِيمِ القسِيم، على ترتِيب جمالِيّ بدِيع يتدرّجُ مِن الأوصافِ العامةِ إلى الأوصافِ الخاصة. فوصفتْ سيِّد ولدِ آدم r بتناسُبِ الأعضاء الشريفة: (لم تعِبْه ثُجْلة، ولم تُزْرِ به صُعْلة)، والثُّجْلة ضخامةُ البطن، والصُّعْلة صِغرُ الرأس، والمرادُ من ذلك الاعتِدال؛ فذكرتْ أنه وسطٌ مُعتدِلٌ في جسدِه الشريفِ بين النحافةِ والبدانةِ في جِسْمِه ورأسِه، قال ابنُ الأثير رحمه الله: «في حديثِ أمِّ معْبد: (ولم تُزْرِ به ثُجْلة): أي ضِخمُ بطن، ورجلٌ أثجلُ، ويُروى بالنون والحاء:[73] أي نُحُولٌ ودِقةٌ».[74] وزادتْ في وصْفِ الرأسِ الشريفِ بأنه (شدِيدُ سوادِ الشّعر) أي إنّ شعره r ناصِعٌ شديدُ السّواد. وهو ما يُعبِّرُ عنه الشعرُ العربي في وصفِ الشِّعرِ الأسودِ الجميلِ بأنه فاحِمٌ.
    وقد شمِل هذا الوصْفُ الجامِعُ الرائعُ من أمِّ معْبد للنبِيِّ r جمال عينيْه الشريفتينr: فذكرتْ أربعة أمُور: أولها: شِدةُ سوادِ العين (في عينيه دعجٌ): أي شِدةُ سواد. وثانيها: زادت كذلك وصفاً بِجمالِ الأشْفار: (وفي أشفارِه وطفٌ) أي: طُولٌ. قال ابنُ منظور رحمه الله: «الوطفُ: كثرةُ شعرِ الحاجِبين والعينين والأشفارِ مع استِرْخاء وطُول... وفي حديثِ أُمِّ معْبد في صفةِ سيِّدِنا رسولِ الله r أنه كان (في أشفارِه وطفٌ) المعنى أنه كان في هدبِ أشْفارِ عينيه طُول».[75] ويُروى كذلك بلفظ: (غطف) بالمعجمة و(عطفٌ) بالْمُهملة، قال ابنُ الأثير رحمه الله: «في حديثِ أُمِّ معْبد: (وفي أشْفارِه غطفٌ): هو أنْ يطُول شعرُ الأجفانِ ثم ينعطِف، ويُرْوى بالعيْنِ المهملة».[76]
    وثالثها: (أكْحلُ)، وهي صِفةٌ لِمنْ اسْودّتْ مواضِعُ الكُحْلِ منه وإنْ لم يكْتحِلْ، قال ابنُ منظُور: «الكحلُ في العين: أنْ يعلُو منابِت الأشفارِ سوادٌ مثلُ الكُحْلِ من غيرِ كُحل... وقيل: الكحلُ في العين: أنْ تسْودّ مواضِعُ الكُحْل».[78] وقد مدح الشعراء الكحل، كما قال المتنبي:[79]
    لأنّ حِلْمك حِلْمٌ لا تكلّفُه ليس التكحُّلُ في العينين كالكحلِ![80]
    ومن هذا قولُ بعضِ شعراء العرب وقد فطِن إلى أنّ بعض الزينة قد تُستُعْملُ لِجبْرِ النقص:
    وما الحلْي إلا زينةٌ من نقيصة يُتمِّمُ مِن حُسْن إذا الحُسْنُ قصّرا
    وأمّا إذا كان الجمالُ مُوفّراً كحُسْنِك لم يحْتجْ إلى أنْ يزوّرا![81]
    ورابعها: (أحْور)، وهي شِدةُ سوادِ في سوادِ العين، وشِدةُ بياض في بياضِ العين؛ بحيث تكون العينُ ناصِعةً بهِيّةً. «الْحورُ: شِدةُ سوادِ الْمُقْلةِ في شدةِ بياضِها في شدةِ بياضِ الجسد، ولا تكون الأدْماءُ حوراء، قال الأزهري: لا تُسمّى حوراء؛ حتى تكون مع حورِ عينيها بيضاء لونُ الجسد».[82] والْحورُ مليحٌ عند العرب كما قال جرير:
    إنّ العُيُون التي في طرْفِها حورٌ قتلْننا ثُمّ لم يُحْيِين قتْلانا!
    وفيما يتعلّقُ بِجمالِ الحواجِبِ الشريفة: ذكرتْ وصْفيْن جمِيليْن: (أزجُّ، أقرن): أحدهما: (أزجُّ)، أي: إنّ حوائجه الشريفة r دقيقةٌ وسابِغةٌ، قال الزمخشري رحمه الله: «التقدير: (أزجُّ) أي: زجّتْ حواجِبُه (سوابِغ): بمعنى دقّتْ في حالِ سُبوغِها».[83] والثاني: (أقْرن)، وهو يعنِي تقارُب الحاجِبين ولا يعنِي اقترانهما؛ لما ورد في الحديث الآخر: (سوابغ في غير قرن) بالتحريك: أي التقاء الحاجِبين. قال ابنُ الأثير رحمه الله: "وفي صِفتِه عليه الصلاة والسلام: (سوابغ في غيرِ قرن) القرن بالتحريك: التِقاءُ الحاجِبيْن، وهذا خِلافُ ما روتْ أمُّ معْبد؛ فإنها قالتْ في صِفتِه (أزجُّ أقْرن) أي: مقرُونُ الحاجِبيْن، والأوّلُ الصحيحُ في صِفتِه».[84] وقال الزمخشري رحمه الله: «الزّجج: دِقةُ الحاجِبين وسُبُوغُهما إلى مُؤخّرِ العينِ، والقرن أنْ يطولا حتى يلتقي طرفاهما، والمراد أنّ حاجِبيه قد سبغا؛ حتى كاد يلتقيان ولم يلتقيا، والقرن غيرُ محمود عند العرب، ويستحِبُّون البلج، وهو الصحيحُ في صِفتِه، دون ما وصفتْه به أمُّ معْبد من القرنِ سوابغ».[85]
    وفيما يتعلّقُ بِجمالِ عُنقِه الشريفة r: جاء وصف أم معبد: (في عُنُقِه سطعٌ)، قال ابنُ الأثير رحِمه الله: «(في عُنُقِه سطعٌ): أي ارتِفاعُ وطُول».[86]
    ومِن فِطنةِ أمِّ معْبد: ذِكْرُها جمال الْهيْبة والوقار؛ وهذا ملْمحٌ جمالِيٌّ بدِيعٌ، لا يكادُ يفطِنُ إليه إلا أقلُّ الناس؛ فالوقارُ جمالٌ باطنِيّ، وإن كان يكسو الظاهر نوراً ومهابةً؛ حيث ترى الرجُل فيُعجِبُك سمْتُه ودلُّه؛ وتُجلُّ وقاره وهيْبته: (إذا صمت علاهُ الوقارُ، وإنْ تكلّم عًلاهُ البهاء، أجْملُ الناسِ وأبْهاهم من بعيد، وأحْسنُه وأحْلاهُ مِن قريب)؛ فهو r حبيِبٌ إلى النفسِ جميلٌ في العين، حسنٌ على البُعدِ والقُرب. كما قال السعدي رحمه الله في تفسيرِ قولِ الله عزّ وجل: )سِيماهُمْ في وُجُوهِهم مِن أثرِ السُّجُود([87] «قد أثّرتْ العِبادةُ من كثرتِها وحُسْنِها في وُجُوهِهم؛ حتى استنارت! لما استنارتْ بالصلاة بواطنُهم؛ اسْتنارتْ بالجلالِ ظواهِرُهم!».[88]
    وقال ابنُ القيم رحِمه الله: «الفرقُ بين المهابةِ والكِبْر: أنّ المهابة أثرٌ من آثارِ امتلاءِ القلبِ بِعظمةِ الله ومحبتِه وإجلالِه؛ فإذا امتلأ القلبُ بذلك حلّ فيه النورُ ونزلتْ عليه السكينةُ وأُلْبِس رِداء الهيْبة؛ فاكتسى وجهُه الحلاوة والمهابة فأخذ بمجامِعِ القُلوبِ محبةً ومهابةً؛ فحنّتْ إليه الأفئدةُ وقرّتْ به العُيونُ وأنِستْ به القلوبُ؛ فكلامه نورٌ، ومدخله نورٌ، ومخرجه نورٌ، وعمله نور (وإن سكت علاه الوقار) وإن تكلم أخذ بالقلوب والأسماع. وأما الكبر فأثر من آثار العجب والبغي من قلب قد امتلأ بالجهل والظلم ترحلت منه العبودية ونزل عليه المقت، فنظرُه إلى الناس شزر، ومشيه بينهم تبختر، ومعاملته لهم معاملة الاستئثار لا الإيثار ولا الإنصاف، ذاهب بنفسه تيها لا يبدأ من لقيه بالسلام وإن رد عليه».[89]
    ومِنْ ذكاءِ هذه المرأةِ العربِيّةِ وفِطْنتِها وسلامةِ فِطْرتِها: أنْ عدّتْ محاسِن الكلامِ ضِمْن الملامِحِ الجمالية للشخصيةِ؛ فقد وصفتْه بأنه r (حُلْوُ المنطِق، فصْلٌ لا نزْر ولا هذْر، كأنّ منطِقه خرزاتُ نظْم يتحدّرن). فانظرْ إلى هذه المرأةِ العربيةِ سليمةِ العقلِ والفِطرةِ كيف كانت ذوّاقةً لِجمالِ القسماتِ والكلِمات!
    وكلامُهُ فصلٌ مُبِينٌ نثْرُهُ يسمُو عُقُود الدُرِّ والْمرْجانِ!
    حُلْوُ الكلامِ إِذا تكلّم ناطِقاً فالْحقُّ ما فاهت بِهِ الشّفتانِ!
    وفي شأنِ اعتِدالِ القامة ـ وهو تتِمةٌ لِجمال المظهرِ العام ـ فقد وصفتْه r بأوسطِ الصِّفاتِ: (ربْعة، لا تقتحِمُه عينٌ من قِصر، ولا تشنؤه مِن طُول). قال ابنُ الأثير رحِمه الله: «وفي حديثِ أُمِّ معْبد: (لا تقتحِمُه عيْنٌ مِن قِصر) أي: لا تتجاوزُه إلى غيرِه احتِقاراً له، وكلُّ شيء ازْدريْته فقد اقتحمْته».[90] وقال ابنُ منظور رحِمه الله: «وفي حديث أم
    Mahmoud Antar
    Mahmoud Antar
    مشرف عام
    مشرف عام


    عدد المساهمات : 6871
    رقم العضوية رقم العضوية : 5
    الفرقة الدراسية : BA to the computer and information systems management 2010
    العمل/الترفيه : Electronics technician
    الاوسمة : الجمال النبوي وفقه الجمال 26204210
    و - الالفية : 6000

    اعلان رد: الجمال النبوي وفقه الجمال

    مُساهمة من طرف Mahmoud Antar الجمعة 02 أكتوبر 2009, 7:10 pm

    الجمال النبوي وفقه الجمال 597183
    eman
    eman
    مشرفة الأقسام الاسلامية
    مشرفة الأقسام الاسلامية


    عدد المساهمات : 4406
    رقم العضوية رقم العضوية : 36
    الفرقة الدراسية : تخرجت الحمدالله
    العمل/الترفيه : الكمبيوتر
    الاوسمة : نجمة المنتدى الاسلامى
    اوسمة مسابقات : الجمال النبوي وفقه الجمال Empty
    و - الالفية : 4000

    اعلان رد: الجمال النبوي وفقه الجمال

    مُساهمة من طرف eman الجمعة 04 ديسمبر 2009, 12:16 pm

    الجمال النبوي وفقه الجمال 597183
    Romio
    Romio
    عضو ماسي
    عضو ماسي


    عدد المساهمات : 1312
    رقم العضوية رقم العضوية : 845
    الفرقة الدراسية : الفرقة الثالثة كلية تجارة جامعه قناة السويس
    العمل/الترفيه : الثفاقه & المعلومات العامه
    و - الالفية : 1000

    اعلان رد: الجمال النبوي وفقه الجمال

    مُساهمة من طرف Romio الإثنين 26 أبريل 2010, 11:14 pm

    الجمال النبوي وفقه الجمال 16999219

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة 19 أبريل 2024, 2:45 pm